وأيضا لو صحّ ذلك لزم عدم ارتفاع الحكم الضرري في صورة العلم أيضا ؛ حيث يكون المكلّف قاصدا للفعل مريدا له على كلّ حال ـ إن كان حكم أو لم يكن ـ بحيث لم يكن اختياره للفعل منبعثا من حكم الشارع.
الثاني : لا فرق في الضرر المنفي بين الحاصل مقدّماته باختيار المكلّف وبين غيره ، فلو أمرض نفسه عمدا حتّى صار الصوم أو الغسل في حقّه ضرريّا ارتفع عنه خطاب الشارع بهما. ولازم ذلك ارتفاع لزوم المعاملة الغبنيّة بقاعدة نفي الضرر ، وإن كان المكلّف هو المقدّم على الضرر ؛ فإنّ إقدام المكلّف لا يوجب خروج الحكم عن كونه ضرريّا وألا يكون الضرر من قبل الحكم ، فلربّما يندم في الآتية ، فلو حكم بعدم تأثير فسخه كان ذلك حكما ضرريّا.
نعم ، إذا قلنا : إنّ دليل نفي الضرر لا يشمل ما كان من الضرر من فعل المكلّف لم يشمل المقام حتّى إذا جهل بالغبن ؛ لأنّ الضرر من فعله على كلّ حال لا من حكم الشارع. نعم ، ليس قاصدا مريدا له ، فدليل نفي الضرر إن شمل المعاملة الغبنيّة شملها في كلتا الصورتين ـ إن علم أو جهل ـ وإن لم يشملها لم يشملها في كلتا الصورتين.
الثالث : إذا علم ثبوت أحد حكمين ضرريّين على سبيل الإجمال ـ تخصيصا لدليل نفي الضرر ـ سقط دليل نفي الضرر عن قابليّة التمسّك به في كلّ منهما كما في كلّ عامّ علم تخصيصه بأحد فردين. وليست قوّة أحد الضررين موجبا لتعيّنه للنفي ، كما ليست أعلميّة أحد الشخصين موجبا لتعيّنه للإكرام عند العلم الإجمالي بخروج أحدهما عن عموم أكرم العلماء.
نعم ، إذا كان أحد الضررين ضروري التحقّق في الخارج مع ورودهما على شخص واحد توجّه النفي إلى فضلة أحد الضررين على الآخر ، ولازمه أن يكون المنفيّ هو الضرر الزائد. وهذا أجنبيّ عن المقام.
وأمّا في المقام فالعامّ المخصّص بأحد الضررين على سبيل الإجمال يعرضه الإجمال ، فيرجع إلى ما هو مقتضى القاعدة أو الأصل في المسألة. ففيما إذا كان أحد الضررين متوجّها إلى المالك والآخر إلى الأجنبي ـ كما إذا دار أمره بين التصرّف في ملكه فيتضرّر به الجار أو ترك التصرّف فيتصرّف فيتضرّر هو ـ المرجع دليل سلطنة الناس على أموالهم ، بل وكذا نفي