[التنبيه] الثالث :
يعتبر في الاستصحاب اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة ، فلا يجري الاستصحاب في الزمان وما هو نحوه في التدرّج والانصرام من الزمانيّات كجريان الماء وسيلان الدم ، وكذا في المقيّد بالزمان بعد ارتفاع قيده. فيقع الكلام في مقامين :
الأوّل : في جريان الاستصحاب في الأمور التدريجيّة التي تتجدّد شيئا فشيئا ومن جملتها الزمان.
الثاني : في المقيّد بالزمان بعد ارتفاع قيده.
فأمّا الكلام في المقام الأوّل ، فنقول : إنّ الحركة التي هي الخروج من القوّة إلى الفعل على سبيل التدريج في أيّة مقولة كانت إذا تيقّنا بها ثمّ شككنا فيها لا جرم يكون يقيننا بجزء منها وشكّنا في جزء آخر منها ، يعني موافاة الجسم المتحرّك لجزء من أجزاء المسافة يكون يقينيّا ، وموافاته لجزء آخر يكون شكّيّا.
فاستصحاب الحركة ـ بمعنى الموافاة للحدود الحاصلة على سبيل التدريج ؛ لكون الجسم قبل الوصول إلى كلّ جزء من أجزاء المسافة غير حاصل فيه ، وبعده أيضا غير حاصل فيه ، وهي المسمّى بالحركة القطعيّة الراسمة في الوهم خطّا اتّصاليّا ـ لا معنى له ؛ لأنّ الجزء الأوّل من السير قطعي الارتفاع والجزء الثاني منه مشكوك الحدوث.
وأمّا استصحاب الحركة ـ بمعنى كون الجسم باقيا على صفة التوسّط بين المبدأ والمنتهى ـ أعني المبدئيّة للجزء اللاحق من الحركة النهائيّة للجزء السابق ـ المعبّر عنه بالحركة التوسّطيّة ، فهذه الصفة وإن كانت ثابتة لا حركة فيها وإلّا لزم السكون ، لكن ثباتها يكون بالأفراد المتبادلة كثبات الإنسان في الدنيا بأفرادها المتبادلة ؛ فإنّ الكينونيّة بين المبدأ والمنتهى وبين الحياة والممات ـ أعني حياة مرتبة وممات مرتبة أخرى ـ كليّة له أفراد فردها المتيقّن قطعي الارتفاع وقد هرب الجسم منه وفردها الآخر مشكوك الحدوث ولم يعلم تحقّق الجسم فيه ، فيبتني استصحابه على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي.
ثمّ الشكّ قد يكون مع العلم بمقدار الحركة في الوصول إلى الغاية ، أو في تحقّق الرافع ،