وأمّا الكلام في المقام الثالث فقد اتّضح من بعض ما تقدّم ؛ فإنّ العبارة بعد عدم إرادة خصوص القاعدة منها ـ ولو بقرينة موارد الأخبار التي هي الاستصحاب ـ مطلقة شاملة لكلّ من القاعدة والاستصحاب ؛ فإنّ إرادة الاستصحاب تتوقّف على عدم لحاظ الزمان وقيد الحدوث دخيلا في متعلّق اليقين ، فإذا ألغي الزمان عن الدخالة شملت العبارة كلّا من القاعدة والاستصحاب ، واحتاج تخصيصها بخصوص الاستصحاب إلى قرينة.
فليس إرادة خصوص الاستصحاب في عرض إرادتهما جميعا حتّى يقال بعدم القرينة على تعيين الثاني بعد قيام الصارف على عدم إرادة خصوص القاعدة التي هي ظاهر العبارة لمكان كلمة «النقض» بل يتردّد الأمر بين إرادتهما جميعا وبين إرادة خصوص الاستصحاب ، وليس الأوّل أقرب المجازات بالنسبة إلى الثاني حتّى يتعيّن ، فلذلك يحصل الإجمال ، ولا تكون العبارة حجّة على أزيد من الاستصحاب.
لكنّ هذا على تقدير ظهور العبارة لأجل كلمة «النقض» في القاعدة ، والحقّ أنّها ظاهرة في الاستصحاب ؛ فإنّ الموضوع في حكم «لا تنقض» هو اليقين ، وهو ظاهر في اليقين الفعلي ، ولا يقين فعلي إلّا في مورد الاستصحاب ، وظهور اليقين في اليقين الفعلي أقوى من ظهور لفظ «النقض» في النقض بالدقّة المقصور بمورد القاعدة فيرفع اليد به عنه.
ومن هنا ظهر الكلام في المقام الرابع.
فتحصّل ممّا ذكرنا كلّه عدم دلالة الأخبار إلّا على حجّيّة الاستصحاب ، والجمع بينه وبين القاعدة بحسب الإمكان وإن كان ممكنا ، لكن مجرّد ذلك لا يجدي بالنسبة إلى مقام الفعليّة والإثبات. مضافا إلى حصول المعارضة على تقدير الشمول لهما فتسقط القاعدة بالنتيجة عن حيّز الانتفاع.
ومنه يظهر الجواب عن الاستدلال على القاعدة ببعض ما تقدّم من الأخبار التي وقع الاستدلال به للاستصحاب ، وهو ظاهر في القاعدة ، وهو رواية الخصال عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ؛ فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» (١).
__________________
(١) الخصال : ٦١٩ ؛ وسائل الشيعة ١ : ٢٤٦ أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ٦.