الثاني : أنّ دليل «صدّق» مصاديقه وأفراده هو كلّ واحد واحد من الأمارات لا كلّ اثنين اثنين أو ثلاثة على صفة الاجتماع والانضمام حتّى يكون المتعارضان منضمّين مصداقا واحدا لدليل «صدّق».
الثالث : أنّ دليل «صدّق» مؤدّاه تقرير الظهور الذي تتضمّنه الأمارات فينشأ مطابق ظهور كلّ منها ، ولا يتكفّل ما هو خارج عن الظهور.
الرابع : أنّ دليل «صدّق» ظهوره بالنسبة إلى أفراده ظهور واحد لا يختلف بالقوّة والضعف ، يعني أنّ ظهور دليل «صدّق» بالنسبة إلى أمارة دلّت على وجوب إكرام العلماء ، وأخرى دلّت على عدم وجوب إكرام زيد في حدّ سواء ، وإن اختلف ظهور الأمارتين ، بل كانت إحداهما نصّا.
وبعبارة أخرى : الاختلاف الظهوري إنّما يكون في الأمارات المنفصلة التي عرفت عدم العبرة بها ، وأمّا الذي عليه الاعتبار وهو المدار فلا اختلاف ظهوري فيه بالنسبة إلى شمولاته ، فكلّ المختلفات متوافقات هنا.
إذا عرفت هذه الجملة فاعلم أنّ قضيّة القاعدة في تعارض الأمارتين جميعا واحدة ـ كان بينهما جمع دلالي وتوفيق عرفي أم لم يكن ـ ولا يختصّ ما فيه الجمع بالجمع ؛ وذلك لأنّ دليل الاعتبار بشموله للعامّ ينشئ حكما على طبق العامّ ، وبشموله للخاصّ ينشئ حكما على طبق الخاصّ ، وإنشاءاه في مرتبة واحدة من الظهور ؛ لأنّ الجميع بعبارة واحدة هي عبارة «صدّق» ـ وقد عرفت أنّ العبرة بها ـ فيكون كعامّ وخاصّ تعارضا وقد توافق ظهورهما ، فكما لا يجمع هناك لا يجمع هنا.
وقد عرفت توهّما نشأ من حسبان أنّ الأمارة الظنّيّة بشمول «صدّق» تكون بمنزلة الأمارة القطعيّة ، فكما يرجع إلى الجمع في الأمارة القطعيّة إذا تعارض فردان منهما ، فكذلك ما هو بمنزلتها ، فدليل «صدّق» يعتبر سند الأمارة الظنّيّة ، ويحكم بالمعاملة معها معاملة الأمارة القطعيّة ، ومعاملة الأمارتين القطعيّتين إذا تعارضتا وكان بينهما جمع هو الأخذ بما يقتضيه الجمع (١).
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٣٩.