كلّ من الأمارتين فيما إذا كان مفادهما عموما استغراقيّا ، وحيث تعذّر الجمع بين المصلحتين حكم العقل بإتيان المقدار الممكن ، والمقدار ليس خصوص مصلحة هذه أو تلك ، بل بعض كلّ منهما أيضا ممكن. فلو قامت أمارة على وجوب إكرام العلماء وأخرى على وجوب إكرام الشرفاء وتعذّر الجمع بينهما حكم العقل بإكرام المقدار الممكن ، إمّا العلماء فقط أو الشرفاء فقط ، أو بعض من كلّ منهما كنصف من هذا ونصف من ذاك أو ثلثين من هذا وثلث من ذاك ، وهكذا.
وأمّا على الطريقيّة فكذلك ، ولكن في غير صورة العلم الإجمالي بكذب أحدهما بمعنى عدم صدوره ؛ وذلك لأنّ دليل الاعتبار اعتبر كلتا الأمارتين ، وحيث إنّ كلتيهما بتمام مفادهما معلوم الكذب كما في «ثمن العذرة سحت» و «لا بأس ببيع العذرة» لا جرم رفع اليد عن كلتيهما بتمام مفاديهما ، وأمّا ما عدا ذلك الذي من جملته بعض من مفاد كلّ منهما فلا يعلم بكذبه فيؤخذ به تخييرا ؛ فإنّه من المحتمل صدورهما جميعا مع إرادة بعض من كلّ منهما.
هذا تمام الكلام فيما هو قضيّة القاعدة بالنسبة إلى المتعارضين بعد فرض شمول دليل الاعتبار.
المقصد الثاني : في حكم المتعارضين بالنظر إلى الأدلّة الخاصّة وأخبار العلاج.
فاعلم أنّ أخبار العلاج بين دالّ على التخيير بقول مطلق ، وبين دالّ على التوقّف كذلك ، وبين دالّ على الترجيح ثمّ بعده التخيير أو التوقّف.
وقبل الخوض في ذكر الأخبار وبيان العلاج بينهما ينبغي تقديم أمر ، وهو أنّه ما معنى التخيير بين الحجّتين بناء على الطريقيّة ، سواء جعلناه مقتضى الأصل الأوّلي أو كان مستفادا من الأخبار الخاصّة ، إمّا مطلقا أو بعد فقد المرجّح.
وأمّا بناء على السببيّة فمعناه الوجوب التخييري ولا إشكال فيه.
فاعلم أنّ التخيير قد يطلق في مقابل الاقتضاء ويراد منه الحكم الترخيصي مقابل الحكم الإلزامي ، وقد يطلق ويراد كون الوجوب تخييريّا مقابل الوجوب التعييني ، وقد يطلق ويراد منه التخيير الظاهري الذي أحد الأصول العمليّة الذي مورده دوران الأمر بين الوجوب