تعارض الخبرين هو التساقط والرجوع إلى أمر آخر ، أو الأخذ بواحد معيّن أو مخيّر دون الجمع العرفي الذي عليه بناء أهل العرف في كلام سمعوه من الإمام عليهالسلام. وعليه فلا يكون مخصّص لعموم السؤال.
وأمّا دعوى أنّ بناء أهل المحاورة على الجمع العرفي ، وسيرتهم على ذلك تكون مقيّدة لإطلاق الأخبار ، فمدفوعة بما تقدّم في حجّيّة خبر الواحد من أنّ الظهور يكون رادعا عن السيرة لا السيرة مخصّصة للظهور ؛ وذلك لأنّ عملهم عند وجود الظهور بالظهور لا بالسيرة الجارية على خلاف الظهور ، وهذا معنى ردع الظهور للسيرة. فلو كان عملهم في ذلك على العكس كان ذلك معنى تخصيص السيرة للظهور.
ثمّ إنّه قد سنح بالخواطر وجهان آخران لخروج مورد الجمع العرفي عن مورد الأخبار :
الأوّل : أنّ السؤال في الأخبار عن الأخذ بأيّ الخبرين كاشف عن أنّ مورد السؤال التعارض على وجه التباين بحيث كان الأخذ بكلّ مستلزما لطرح الآخر ؛ إذ في مثل ذلك يسأل عن الأخذ بأيّهما.
الثاني : التمسّك في ذلك بما دلّ من الأخبار على الجمع العرفي مثل : ما عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما بال أقوام يروون عن فلان بن فلان عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يتّهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه؟ قال : «إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» (١).
وما عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ؛ إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ، ولا يكذب» (٢).
وفي كلا الوجهين نظر. أمّا في الأوّل فلأنّه يكفي في صحّة السؤال بكلمة «أيّ» استلزام الأخذ بكلّ طرح ظهور الآخر ، وهذا حاصل في مورد الجمع العرفي ، ولا يتوقّف صدق هذا اللفظ على استلزامه طرح الآخر رأسا.
__________________
(١) الكافي ١ : ٥٢ / ٢ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٨ أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤.
(٢) معاني الأخبار : ١ / ١ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٧ أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٧.