المقام الأوّل : في الجمع الدلالي بين المتعارضات الثلاث ، فنقول :
لا إشكال في الجمع حيث يكون بين المتعارضات الثلاث في ظهوراتها الأول جمع دلالي ، ولم تنقلب النسبة بين اثنين منها بعد ملاحظة أحدهما مع ثالث ثابت بإجماع أو عقل كما في مثل : «أكرم العلماء» و «لا تكرم زيدا» الثابت بالإجماع مع مثل : «لا تكرم عمرا» فيخصّص بكلا المخصّصين.
وأمّا مع انقلاب النسبة فهل تراعى النسبة المنقلب إليها أو تراعى النسبة المنقلب عنها فيخصّص دليل «أكرم العلماء» بدليل «أكرم النحويّين» الثابت بإجماع أو عقل ، ثمّ تنقلب النسبة بينه وبين «لا تكرم الحكميّين» إلى العموم من وجه ، فيعامل معاملة العموم من وجه ، أو يعامل معاملة العموم المطلق الثابت ابتداء بتخصيص «أكرم العلماء» ب «لا تكرم الحكميّين» أيضا؟
وكما تنقلب النسبة إلى ما لا جمع فيه فقد تنقلب النسبة إلى ما فيه الجمع كما في مثل : «أكرم العلماء» و «لا تكرم الفسّاق» المتعارضين بالعموم من وجه مع دليل «أكرم فسّاق العوام» ؛ فإنّ دليل «لا تكرم الفسّاق» بالتخصيص يخرج عن العموم من وجه إلى العموم المطلق.
وقد صرّح شيخنا المرتضى رحمة الله برعاية النسبة الحادثة في المتعارضات المختلفة النسبة ـ فيخصّص «لا تكرم الفسّاق» في المثال بدليل «أكرم فسّاق العوام» ، ثمّ يخصّص «أكرم العلماء» بدليل «لا تكرم الفسّاق» ـ قائلا بأنّ السرّ في ذلك واضح ؛ إذ لو لا الترتيب في العلاج لزم إلغاء النصّ أو طرح الظاهر المنافي له رأسا ، وكلاهما باطل (١).
والحقّ في المقام التفصيل ، وهو أنّ العلم بالمراد يرفع المعارضة بين الظواهر بمعنى أنّه لا يبقى للمعارضة أثر ولكن لا يحدث المعارضة ؛ وذلك لأنّ المعارضة تكون قائمة بين ظهورين متخالفين ، والعلم بالمراد لا يحدث الظهور ، ولكن يرفعها بمعنى أنّه بعد العلم بالمراد لا يبقى لمعارضة الظهورين أثر ؛ فإنّ الظهورين يتعارضان في الكشف عن المراد الواقعي ، فإذا علم بالمراد الواقعي من الخارج لم يبق اعتناء بالظهورين.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٩٩.