الحجّة دون المجتهد الانسدادي ، ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّه لو جاز التقليد في غير الأحكام الذي منه تعيين موارد الحجّة جاز تقليد الانسدادي أيضا فيما هو العذر المؤمّن من العقاب وهو العمل بالظنّ ، أو في عدم قيام الدليل على شيء من الأحكام ، وكون الاحتياط والبراءة فيهما المحذور حتّى يتعيّن العمل بالظنّ ، ولو لم يجز لم يجز في كلا الموردين.
ثمّ إنّه هل يجوز التقليد في الأصول العقليّة ، أو لا تقليد إلّا في بيان عدم قيام الدليل على الحكم ، فيستقلّ العامّي في العمل بما يحكم به عقله ولو على خلاف ما اعتقده مجتهده؟ وجهان مبنيّان على ما تقدّم من جواز التقليد في غير الأحكام وعدمه ، فإن جاز تعيّن الرجوع إلى المجتهد في عدم قيام الدليل على الحكم ، ثمّ يرجع إلى الكبرى الذي يدركه عقله في موضوع عدم قيام الدليل ، وليس له أن يترك ما يدركه عقله ويأخذ بما يدركه مجتهده ، فإنّه والمجتهد في ذلك سيّان ليس عاجزا في هذه الكبرى حتّى يرجع إلى غيره ، وإنّما هو عاجز في صغرى ذلك فيرجع في تعيين الصغرى ـ وهو عدم قيام الدليل ـ إلى المجتهد.
وإن لم يجز التقليد في غير الأحكام تعيّن الرجوع إلى ما يستفيده المجتهد من الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة بينه وبين ما يحكم به العقل ، وكأنّ عمل العلماء جار على هذا الأخير ، ولم يعهد من أحد حوالة مقلّديه إلى ما يحكم به عقله. هذا كلّه في تقليد المجتهدين الثلاثة.
وأمّا حكمهم في المرافعات فيشكل وإن علموا بعدّة معتدّ بها من الأحكام بالأدلّة القطعيّة ؛ فإنّ ظاهر الأدلّة اعتبار حكم العالم إذا حكم بما يعلم لا بما لا يعلم. نعم ، إذا كان المترافعان يسلكان مسلك الانفتاح ، ويريان مظنونات المجتهد الانسدادي الحاكم في القضيّة حكم الله لزمهما ترتيب الأثر على حكمه ، فالعبرة بنظرهما لا بنظره.
مسألة : هل يمكن التجزّي في الاجتهاد عادة أو يستحيل أو يجب ، يعني قوّة الاستنباط قوّة إذا حصلت في مسألة حصلت في سائر المسائل أيضا بالضرورة ، أو يمكن أن تحصل ويمكن ألا تحصل ، أو يجب ألا تحصل في ابتداء الأمر؟
ويمكن بناء الإمكان والاستحالة على أنّ المسائل بأجمعها تنتهي إلى سنخ واحد من