قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)
وقد تكلّمنا عن الإيمان بالغيب فيما سبق عند تفسير الآية إجماليّا ، وذكرنا أنّه الإيمان بمطلق الغيب وأنّ هناك وراء عالمنا المحسوس عالما ملؤه الحيويّة والكمال ، وأنّ ما في عالمنا هذا هي رشحة من ذاك الملكوت الأعلى. ولو لا هذا الإيمان ، لم يمكن قبول وحي ولا الإذعان بشريعة السماء وتصديق الأنبياء ، فهو الأساس المكين لسائر المعتقدات فيما يعود إلى ما وراء الحسّ المشهود.
وإليك الآن ما روي بشأن الغيب والإيمان به من أحاديث السلف :
[٢ / ٢٣٢] قال الرمّاني : الغيب خفاء الشيء عن الحسّ قرب أم بعد ، إلّا أنّه قد كثرت صفة الغائب على البعيد الّذي لا يظهر للحسّ (١).
[٢ / ٢٣٣] وجاء في التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد العسكري عليهالسلام في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال الإمام عليهالسلام : «وصف هؤلاء المؤمنين الّذين هذا الكتاب هدى لهم فقال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) يعني ما غاب عن حواسّهم من الأمور الّتي يلزمهم الإيمان بها كالبعث والحساب والجنّة والنّار وتوحيد الله ، وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة ، وإنّما يعرف بدلائل قد نصبها الله تعالى عليها كآدم وحوّاء وإدريس ونوح وإبراهيم والأنبياء الّذين يلزمهم الإيمان بهم بحجج الله تعالى وإن لم يشاهدوهم ، ويؤمنون بالغيب (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)» (٢)(٣).
[٢ / ٢٣٤] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال : هم المؤمنون قال : والايمان التصديق والغيب ما غاب عن العباد من أمر الجنّة والنار ، وما ذكر الله في القرآن لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصحاب الكتاب أو علم كان عندهم (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) هم المؤمنون من أهل الكتاب ، ثمّ جمع الفريقين فقال : (أُولئِكَ عَلى هُدىً) الآية (٤).
__________________
(١) التبيان ١ : ٥٥ ؛ مجمع البيان ١ : ٨٦.
(٢) الجاثيه ٤٥ : ٢٤.
(٣) البرهان ١ : ١٣١ ـ ١٣٢ / ١١ ؛ تفسير الإمام : ٦٧ ـ ٦٨ / ٣٤ ؛ البحار ٦٥ : ٢٨٥ / ٤٢.
(٤) الدرّ ١ : ٦٤ ؛ الطبري ١ : ١٥١ / ٢٢٩ و ١٤٩ ـ ١٥٠ / ٢٢٥ ؛ ابن كثير ١ : ٤٣ ، بلفظ «وقال السّدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عبّاس وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أمّا الغيب فما غاب عن العباد ــ من أمر الجنّة وأمر النّار وما ذكر في القرآن» ؛ التبيان ١ : ٥٥ ، بلفظ : «قال جماعة من الصحابة كابن مسعود وغيره : إنّ الغيب ما غاب عن العباد علمه