قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ)
ومن صفتهم كذلك التطاول والتعالي على سائر الناس ، ليكسبوا لأنفسهم جاها زائفا في أعين الآخرين.
فقد كانت الدعوة الموجّهة إليهم هي الإيمان الخالص المتجرّد عن الأهواء. إيمان المخلصين الّذين دخلوا في السلم كافّة وأسلموا وجوههم لله ، وهؤلاء هم الناس الّذين كان المنافقون يدعون ليؤمنوا مثلهم. ولكنّهم كانوا يأنفون من هذا الاستسلام لله ولرسوله ، ويرونه لائقا بضعاف الناس الّذين هم سوقة ، دون العليّة ذوي الجاه.
ومن ثمّ قالوا : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ). أي المبتذلة من غوغاء العوامّ ، لا رشد لهم ولا هدى!
ولذلك جاءهم الردّ الحاسم القامع : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ ...) ـ حقيقة ـ (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ). هم في غفوة عن الفكر الصحيح وفي عمه العتوّ والاستكبار. ولكن أنّى يشعر السفيه بسفهه ، وهو ـ عن حمقه ـ يسفّه ذوي العقول الراجحة. فياله من ابتذال الفكرة الحمقانيّة!!
[٢ / ٤١٥] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) قال : صدّقوا كما صدّق أصحاب محمّد أنّه نبيّ ورسول ، وأنّ ما أنزل عليه حقّ. (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) يعنون أصحاب محمّد (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) يقول : الجهّال (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) يقول : لا يعقلون (١).
[٢ / ٤١٦] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) : نزلت في منذر بن معاذ ، وأبي لبابة ، ومعاذ بن جبل ، وأسيد ، قالوا لليهود : صدّقوا بمحمّد إنّه نبيّ ، كما صدّق به عبد الله بن سلام وأصحابه ، فقالت اليهود : (أَنُؤْمِنُ) يعني نصدّق (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) يعني الجهّال ، يعنون عبد الله بن سلام وأصحابه. يقول الله ـ عزوجل ـ ردّا عليهم : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) بأنّهم السفهاء (٢).
[٢ / ٤١٧] وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس إنّها نزلت في شأن اليهود.
__________________
(١) الدرّ ١ : ٧٧ ؛ الطبري ١ : ١٨٥ و ١٨٦ و ١٨٧ / ٢٩٠ و ٢٩٤ و ٢٩٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٤٦ / ١٢٧ و ١٢٩ و ١٣١ و ١٣٢.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ٩٠ ـ ٩١.