قال القرطبي : أي وإذا قيل لهم ـ يعني اليهود ـ آمنوا كما آمن الناس : (عبد الله بن سلام وأصحابه) قالوا : أنؤمن كما آمن السفهاء يعنى الجهّال والخرقاء (١).
[٢ / ٤١٨] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) قال : يعنون أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأخرج عن الربيع وابن زيد مثله (٢).
قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)
هذه هي السمة الأخير الّتي تكشف عن مدى الصلة بين المنافقين في المدينة واليهود الحانقين. إنّهم لا يقفون عند حدّ الكذب والخداع ، والسفه والادّعاء ، إنّما يضيفون إليها الضعف واللؤم والتآمر في الظلام.
قال سيّد قطب : وبعض الناس يحسب اللؤم قوّة ، والمكر السّيء براعة ، وهو في حقيقته ضعف وخسّة. فالقويّ ليس لئيما ولا خبيثا ، ولا خادعا ولا متآمرا ، ولا غمّازا في الخفاء لمّازا.
وهؤلاء المنافقون ـ ولا يزالون ـ كانوا يجبنون عن المواجهة ، ويتظاهرون بالإيمان عند لقاء المؤمنين ، ليتّقوا الأذى ، وليتّخذوا هذا الستار وسيلة للأذى.
ولكنّهم كانوا إذا خلوا إلى شياطينهم وهم ـ غالبا ـ اليهود الّذين كانوا يجدون في هؤلاء المنافقين أداة لتمزيق الصفّ الإسلامي وتفتيته ، كما أنّ هؤلاء كانوا يجدون في اليهود سندا وملاذا. كانوا (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا) في نهاية الخسّة والرذالة : (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بالمؤمنين ، بإظهار الإيمان لهم جهرا ومكايدتهم سرّا.
__________________
(١) القرطبي ١ : ٢٠٥.
(٢) الدرّ ١ : ٧٧ ؛ الطبري ١ : ١٨٦ / ٢٩١ ، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي. و ٢٩٢ عن الربيع و ٢٩٣ عن ابن زيد ؛ ابن كثير ١ : ٥٣ ، نقلا عن أبي العالية والسدّي في تفسيره بسنده عن ابن عبّاس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة وبه يقول : الربيع بن أنس وعبد الرحمان بن زيد بن أسلم وغيرهم.