فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين ، مثلا للمنافقين الّذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما وإذا أضاء لهم مّشوا فيه فإذا كثرت أموالهم وولدهم وأصابوا غنيمة وفتحا مّشوا فيه وقالوا : إنّ دين محمّد حينئذ صدق واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء بهما البرق (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) فكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم وأصابهم البلاء ، قالوا هذا من أجل دين محمّد وارتدّوا كفّارا ، كما كان ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدّي ، مثله (١).
[٢ / ٤٩٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) قال : كان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن ينزّل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا. (٢) أي فيفضحوا ويفضح نفاقهم فيعاقبوا.
[٢ / ٤٩١] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ). قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق لجبنه ، لا يسمع صوتا إلّا ظنّ أنّه قد أتى ، ولا يسمع صياحا إلّا ظنّ أنّه ميّت. أجبن قوم وأخذله للحقّ ، وقال الله في آية اخرى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)(٣)(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) قال : البرق هو الإسلام والظلمة هو البلاء والفتنة. فإذا رأى المنافق من الإسلام طمأنينة وعافية ورخاء وسلوة من عيش (قالُوا : إِنَّا مَعَكُمْ) ومنكم ، وإذا رأى من الإسلام شدّة وبلاء حقحق (٤) عندها فلا يصبر لبلائها ولم يحتسب أجرها ولم يرج عاقبتها. إنّما هو صاحب دنيا ، لها يغضب ولها يرضى ، وهو كما نعته الله (٥).
[٢ / ٤٩٢] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ ضرب للمنافقين مثلا فقال ـ سبحانه ـ : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
__________________
(١) الدرّ ١ : ٨١ ـ ٨٢ ؛ الطبري ١ : ٢٢٣ / ٣٧٩.
(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٥٦ / ١٩٦.
(٣) المنافقون ٦٣ : ٤.
(٤) الحقحقة : الوقفة في السير لشدّة التعب.
(٥) الدرّ ١ : ٨٣ ؛ الطبري ١ : ٢٢٤ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤. وتقدّم الحديث عن الطبري ذيل الآية السابقة.