حديث مفترى
هناك روايات وردت بشأن مراجعة ابن عبّاس لأهل الكتاب في التاريخ واللغة والآداب ، ولا سيّما فيما يمسّ تفسير القرآن ، الأمر الّذي نستغر به جدّا مع وفرة أفاضل أمجاد من الصحابة الأعلام.
والّذي يزيد غرابة في ذلك أنّ الأسئلة الّتي ـ زعموا ـ وجّهها ابن عبّاس إلى أولئك اليهود هي مسائل تافهة وبسيطة جدّا ، ليس ينبغي لمثل حبر الأمّة السؤال عنها من أناس جهلاء لا شأن لهم في العلم والمعرفة سوى كونهم يقرأون سطورا من صحف محرّفة. ولعلّهم كانوا أحوج إلى السؤال من مثل ابن عبّاس!
[٢ / ٥٢٩] هذا ابن جرير الطبري يروي بإسناده إلى أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الجلد إذ جاءه رسول ابن عبّاس بكتاب إليه. فكتب إليه : تسألني عن البرق ، فالبرق : الماء (١).
[٢ / ٥٣٠] وفي حديث آخر بنفس الإسناد : كتب إليه : كتبت تسألني عن الرعد ، فالرعد : الريح (٢).
يا ترى هل يجهل مثل ابن عبّاس ـ وهو العربيّ الصميم ـ معنى الرعد والبرق ، حتّى يسأل رجلا غريبا في حياته ، مجهولا في نسبه وحسبه؟!
[٢ / ٥٣١] وهكذا أخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : كتب ابن عبّاس إلى أبي الجلد يسأله عن الصواعق ، فكتب إليه : أنّ الصواعق مخاريق يزجر بها السحاب (٣).
ثمّ من هو أبو الجلد؟
ذكر ابن سعد في الطبقات أنّ أبا الجلد الجوني ـ حيّ من الأزد ـ اسمه جيلان بن فروة ، كان يقرأ الكتب. وزعمت ابنته ميمونة : أنّ أباها كان يقرأ القرآن في كلّ سبعة أيّام. ويختم التوراة في ستّة ، يقرأها نظرا. فإذا كان يوم يختمها حشد لذلك ناس (٤)!
لا شكّ أنّها مغالاة من ابنته ، يقول جولد تسيهر : ولا يتّضح حقّا من هذا الخبر الغامض ، الّذي
__________________
(١) المصدر : ٢٢١ / ٣٧١.
(٢) المصدر : ٢١٩ / ٣٦٦.
(٣) ابن أبي حاتم ١ : ٥٦ / ١٩٧.
(٤) الطبقات ٧ : ٢٢٢.