قال تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥))
هذا أوان الشروع في مقصود السورة الأصل وكانت دعوة الناس عامّتهم إلى عبادة الله خالصة ونبذ مداعي الشرك إطلاقا ، للحصول على الغاية المنشودة هي : صفة التقوى في النفس ، وهي حالة يشعر بها الإنسان أنّه ليس مسترسلا في منهوماته ومنشغلات نفسه ، بل هو بفضل إنسانيّته يشعر بتعهّد في ذاته ، ليجعله متقيّدا في سلوكه في ذات نفسه ومع بني جلدته ، ومن ثمّ فهو يتحرّى التقيّد بالحدود المضروبة دون تصرّفاته المطلقة في حياته العامّة.
[٢ / ٥٦٥] قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ـ في خطاب كتبه إلى عثمان بن حنيف عامله بالبصرة ـ : «فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات ، كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها ، تكترش من أعلافها وتلهو عمّا يراد بها ، أو أترك سدى ، أو أهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة» (١).
وبعد فعند ما يتمّ استعراض الصور الثلاث ـ من متعهّد وجاحد ومراوغ ـ يعود السياق إلى نداء الناس كافّة يدعوهم إلى اختيار الصورة الكريمة والمهتدية المفلحة : صورة المتّقين :
__________________
(١) نهج البلاغة ٣ : ٧٢ ، الكتاب ٤٤.