والآن وقد حان أوان إعلان التحدّي بوجه عامّ ، متوجّها إلى البشريّة جمعاء ، تحدّيا مستمرّا مع الأبد : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)(١).
هل وقع التحدّي بجميع وجوه الإعجاز؟
وحيث وقع التحدّي مع العرب الأوائل ، فلا بدّ أن يخصّ جانب فصاحته الرائعة وبلاغته الرائقة ، في أسلوب بديع وترصيف عجيب ، ونظم وتأليف غريب ، لا سابقة له ولا مثيل ، ولا أمكن أن يخلفه بديل. فهو فذّ فرد منذ أن بدا ، وهكذا إلى الأبد ، بلا ندّ ولا نظير.
لكنّه حيث وجّه خطابه مع الناس جميعا ، على تنوّع مهنهم وحرفهم ، وتوسّعهم في العلوم والمعارف والآداب. فلعلّ هناك وقع التحدّي بمجموع ما في الكلام الخارق من بدائع وفرائد أبكار. ظلّت مع الأبديّة موضع إعجاب العالمين واستغراب الملأ في الخافقين.
هل التحدّي قائم مع الأبد؟
لحن التعبير عامّ ، والخطاب موجّه إلى كافّة الناس ، في جميع طبقاتها وفي جميع أجيالها.
لكن هناك من حسب اختصاص التحدّي بالعهد الأوّل ، مع بقاء جانب إعجازه مع الأبد. زعما بأنّ عجز أولئك الناس يكفي دليلا على إعجازه أبدا.
هكذا زعمت الكاتبة بنت الشاطي ، قالت : مناط التحدّي هو عجز بلغاء العرب ذلك العهد ، وأمّا حجّة إعجازه فلا تخصّ عصرا دون عصر. وكان عجز البلغاء من العصر الأوّل ـ وهم أصل الفصاحة ـ برهانا فاصلا في قضيّة التحدّي (٢).
ولعلّها خشيت أن لو قلنا بأنّ التحدّي قائم حتّى اليوم ، أن سوف ينبري أصحاب الإلحاد من الناطقين بالضاد ، فيأتي بحديث مثله ، وبذلك ينتقض أكبر دعامة من دعائم الإسلام.
لكنّها فلتطمئنّ أنّ هذا لن يقع ولن يكون ، بعد أن وضع القرآن على أسلوب لا يدانيه كلام بشر البتّة ، ولن يستطيع أحد أن يجاريه لا في التعبير والأداء ، ولا في التحبير والوفاء ، مادام الإعجاز
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ٨٨.
(٢) الإعجاز البياني : ٦٥ ـ ٦٨ ؛ التمهيد ٤ : ٣٢.