عن معارضته ، صرفهم الله عن ذلك صرفا بأن ثبّط عزيمتهم على المقابلة ، كما قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ)(١). قالوا : أي أصرفهم عن إبطال دلائلي. وأنسخ عزيمتهم على القدح في حججي.
وبما أنّ هذا الوجه يسلب القرآن ميزاته الفائقة ، ويجعل الإعجاز لأمر خارجيّ بعيد عن جوهر القرآن وعن ذاته ، حاول بعضهم توجيهه إلى ما يتلائم ومذهب المشهور. قالوا : لعلّهم أرادوا بالصرفة : أنّه تعالى سلبهم العلوم الّتي تمكنهم الإتيان بما يشاكل القرآن ، ومعنى السلب : عدم المنح ذاتيّا ... أي لم يمنح الله تعالى أحدا من العلم مبلغا يمكنه الإتيان بمثل القرآن : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)(٢).
والكلام في ذلك كثير ومذيّل. استوفيناه في مباحثنا عن وجوه الإعجاز في الجزء الرابع من التمهيد.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ)
[٢ / ٥٧٢] قال ابن عبّاس : قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب أهل مكة ، و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب أهل المدينة ، وهو هاهنا عام (٣).
[٢ / ٥٧٣] وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) قال : فهي للفريقين جميعا من الكفّار والمؤمنين. (اعْبُدُوا) قال : وحّدوا (٤).
[٢ / ٥٧٤] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) يعني المنافقين واليهود وحّدوا ربّكم (٥).
[٢ / ٥٧٥] وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف وعبد بن حميد والطبراني في الأوسط والحاكم
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٤٦.
(٢) الإسراء ١٧ : ٨٥.
(٣) الثعلبي ١ : ١٦٦ ؛ البغوي ١ : ٩٣ ؛ أبو الفتوح ١ : ١٥١.
(٤) الدرّ ١ : ٨٥ ؛ الطبري ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ / ٣٩٦ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٩ ـ ٦٠ / ٢١٥ و ٢١٦ ؛ ابن كثير ١ : ٦٠.
(٥) تفسير مقاتل ١ : ٩٣.