وفي سورة الحجرات المدنيّة بلا ريب (١) ، جاء قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣).
وقد زيّفنا احتمال كون الآية بالذات مكيّة أقحمت في سورة مدنيّة ، وأن لا دليل عليه سوى الاحتمال والحدس ، فقد استدلّوا بلحن الخطاب وهو استدلال دوريّ كما نبّهنا (٢).
وعليه فقد صحّ ما أخرجه ابن أبي شبية عن عكرمة ـ حسبما تقدّم (٣) كما لم نجد في سورة مكّية خطاب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) حسبما جاء في حديث ابن مسعود الآنف (٤).
وما روي خلاف ذلك فلا بدّ من ضرب من التأويل فيه.
قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)
[٢ / ٥٨٣] قال ابن عبّاس : كلّ ما ورد في القرآن من العبادة فمعناه التوحيد (٥).
[٢ / ٥٨٤] وفي تفسير العسكري : قال علي بن الحسين عليهالسلام «في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يعني سائر المكلّفين من ولد آدم (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) أطيعوا ربّكم من حيث أمركم أن تعتقدوا أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا مثل. عدل لا يجوز ، جواد لا يبخل ، حليم لا يعجل ، حكيم لا يخطل (٦) ، ثمّ قال عزوجل : (الَّذِي خَلَقَكُمْ) اعبدوا الّذي خلقكم من نطفة من ماء مهين ، فجعله في قرار مكين ، إلى قدر معلوم ، فقدّره فنعم القادر ربّ العالمين. (الَّذِي خَلَقَكُمْ) نسما وسوّاكم من بعد ذلك وصوّركم أحسن صورة ، ثمّ قال عزوجل : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، قال : وخلق الله الّذين من قبلكم من سائر أصناف الناس (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، قال : لها وجهان أحدهما : وخلق الّذين من قبلكم لعلّكم كلّكم تتّقون ، أي لتتّقوا ، كما قال الله عزوجل : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(٧) ، والوجه الآخر : اعبدوا الّذي خلقكم والّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون ، أي اعبدوه لعلّكم تتّقون النار» (٨).
__________________
(١) هي مدنيّة قولا واحدا بإجماع ـ التمهيد ١ : ١٧٣.
(٢) راجع : التمهيد ١ : ٢٤٥.
(٣) برقم ٥٨٣ / ١.
(٤) برقم ٥٧٥ / ١.
(٥) البغوي ١ : ٩٣.
(٦) خطل في كلامه : أتى بكلام كثير فاسد لا طائل تحته.
(٧) الذاريات ٥١ : ٥٦.
(٨) تفسير الإمام : ١٣٥ ـ ١٤٢.