ـ هي حالة نفسيّة تجعل الإنسان على وعي تامّ في الالتزام بتعهّداته الإنسانيّة الكريمة ، إمّا تجاه خالقه الّذي أنعم عليه بالحياة ومتعها ، أو تجاه من أسدى إليه حسنة ، وكذا تجاه أهله وذويه وأمثالهم ممّن يشعر بأنّ لهم حقّا عليه ، فيجب الخروج منه.
ولذا فسّرنا التقوى بالتعهد الإنساني النبيل. وهي صفة قدسيّة تصعد بالإنسان على مدارج الكرامة العليا.
وهذه الحالة لا تحصل إلّا بالمراوضة على التذلّل والخضوع لديه سبحانه والاجتهاد في عبادته عن وعي وإخلاص.
وأمّا التعبير بلعلّ فلسرّ فيها سننبّه عليه.
[٢ / ٦٠٤] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عون بن عبد الله بن غنية قال : (لَعَلَّ) من الله واجب (١).
[٢ / ٦٠٥] وهكذا جاء في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : «(لَعَلَّ) من الله واجب لأنّه أكرم من أن يعني (٢) عبده بلا منفعة ويطمعه في فضله ثمّ يخيّبه ، ألا ترى كيف قبح من عبد من عباده إذا قال لرجل : اخدمني لعلّك تنتفع بي ولعلّي أنفعك بها ، فيخدمه ثمّ يخيّبه ولا ينفعه ، فالله ـ عزوجل ـ أكرم في أفعاله وأبعد من القبيح في أعماله من عباده» (٣).
«لعلّ» في كلامه تعالى
ذكروا في معنى «لعلّ» أنّها للتوقّع ، وهو : ترجّي المحبوب والإشفاق من المكروه. نحو : لعلّ الحبيب قادم ، ولعلّ الرقيب حاصل (٤).
وبما أنّ توقّع أمر يستدعي كون المتوقّع على شكّ من وقوعه ، فيترجّاه أو يخاف عقباه ، حيث لا يقطع بتحقّقه حتميّا ، الأمر الّذي يتنافى وعلمه تعالى الأزلي بما يكون.
لكنّ حروف الترجّي كلّها إنّما تحاكي مفاهيمها في ذات معانيها حسب الوضع ، من غير دلالتها على مختلجات الصدور ، إلّا عرضا وبدلالة الاقتضاء فيما ناسب من مظانّها ، الأمر الّذي لا موضع له
__________________
(١) الدرّ ١ : ٨٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٠٨ / ٥١٦.
(٢) الإعناء : الإتعاب بالتكاليف الشاقّة.
(٣) تفسير الإمام : ١٤٢.
(٤) مغني اللبيب لابن هشام ١ : ٢٨٧.