وسعهم مثله ، وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم. وإنّ الله تعالى بعث عيسى عليهالسلام في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطبّ فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله ، وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، وأثبت به الحجّة عليهم ، وإنّ الله تبارك وتعالى بعث محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام [وأظنّه قال :] والشعر فأتاهم من كتاب الله ـ عزوجل ـ ومواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم ، وأثبت به الحجّة عليهم.
فقال ابن السكّيت : تالله ما رأيت مثلك اليوم قطّ. فما الحجّة على الخلق اليوم؟ فقال عليهالسلام : العقل تعرف به الصادق على الله فتصدّقه ، والكاذب على الله فتكذّبه. فقال له ابن السكّيت : وهذا والله الجواب» (١).
قلت : في هذا الكلام الأخير جوهرة الحجّة القاطعة : براهين العقل الساطعة ، فتدبّر!
[٢ / ٦٥٢] وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما من الأنبياء نبيّ إلّا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ ، فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (٢).
قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)
[٢ / ٦٥٣] قال مقاتل بن سليمان : (مِمَّا نَزَّلْنا) من القرآن (عَلى عَبْدِنا) يعني محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ) الله (مِثْلِهِ) يعني مثل هذا القرآن (٣).
[٢ / ٦٥٤] وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) يقول : بسورة مثل هذا القرآن (٤).
__________________
(١) عيون الأخبار ٢ : ٨٥ ـ ٨٦ / ١٢ ، باب ٣٢ (في ذكر ما جاء عن الرضا عليهالسلام من العلل) ؛ البحار ١١ : ٧٠.
(٢) الدرّ ١ : ٨٩ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤٥١ ؛ البخاري ٦ : ٩٧ ، كتاب فضائل القرآن ؛ مسلم ١ : ٩٢ ـ ٩٣ ، كتاب الإيمان ؛ النسائي ٥ : ٣ / ٧٩٧٧ ؛ الدلائل ٧ : ١٢٩ ؛ البيهقي ٩ : ٤ ، كتاب السير ، باب مبتدأ الخلق ؛ كنز العمّال ١١ : ٤١٠ / ٣١٩٢٢ ؛ ابن كثير ١ : ٦٤.
(٣) تفسير مقاتل ١ : ٩٣.
(٤) الطبري ١ : ٢٤٠ / ٤١٤ ؛ القرطبي ١ : ٢٣٢ ، بلفظ : الضمير في مِثْلِهِ عائد على القرآن عند الجمهور من العلماء كقتادة ــ ومجاهد وغيرهما ؛ ابن كثير ١ : ٦٣ ، نقلا عن مجاهد وقتادة. ثمّ قال ابن كثير : «واختاره ابن جرير الطبري والزمخشري والرازي ، ونقله عن ابن مسعود وابن عبّاس والحسن البصري وأكثر المحقّقين».