فالتعبير عن نعيم الجنّة بالحور والقصور والأشجار والأنهار ، وكذا التعبير بالجحيم والسجّين والنار والقطران ، وإن كان تنمّ عن حقائق راهنة لا محيص عنها ، لكنّه ليس بنفس المفاهيم المعهودة لدينا ونحن في هذه الحياة. إذ الكائنات في تلك الحياة إنّما تشبه الكائنات المادّيّة اسما فقط ومن غير أن تكون من سنخها ومن جنسها بالوصف المعهود ، وإنّما هي مماثلة اسما ومغايرة سنخا.
وعليه فجميع ما جاء في روايات في هذا السبيل ـ والّتي سلفت ـ فإن صحّت فلا بدّ من تأويلها بضرب من التأويل وحملها على التشبيه والتمثيل ، لا الأخذ بنفس المفاهيم ـ وأكثرها ممّا يمجّ منها الطبع ـ ومن غير نكران لأصل حقيقتها المجهولة لدينا تماما.
قوله تعالى : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ)
[٢ / ٨٠٧] أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) قال : أي خالدون أبدا. يخبرهم أنّ الثواب بالخير والشرّ مقيم على أهله لا انقطاع له (١).
[٢ / ٨٠٨] وأخرج أحمد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) قال : يعني لا يموتون (٢).
[٢ / ٨٠٩] وروى الكليني بإسناده عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمّد عن المنقري عن أحمد بن يونس عن أبي هاشم قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : «إنّما خلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء ، ثمّ تلا قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)(٣). قال : على نيّته» (٤).
__________________
(١) الدرّ ١ : ١٠٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٥٩ / ٨٣٢ ، في تفسير الآية ٨١ ـ ٨٢ ، من سورة البقرة ؛ الطبري ١ : ٥٤٧ / ١١٩٠ ، في تفسير الآية ٨٢ ، من سورة البقرة.
(٢) الدرّ ١ : ١٠٢ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٤٧ / ٢٩٠٤ ، في تفسير الآية ٢٧٥ من سورة البقرة.
(٣) الإسراء ١٧ : ٨٤.
(٤) الكافي ٢ : ٨٥ / ٥ كتاب الإيمان والكفر ، باب النية ؛ المحاسن ٢ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ / ٩٤ ؛ علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ / ١ ، باب ٢٩٩ : العلّة الّتي من أجلها يخلد من يخلد في الجنّة و... ؛ البحار ٦٧ : ٢٠١ / ٥ ؛ كنز الدقائق ١ : ٢٨٠ ـ ٢٨١.