ثمّ جعل يعدّد فوائده في أنواع الكلام ، مدحا أو ذمّا ، حجاجا أو فخارا أو اعتذارا ، أو وعظا وإرشادا ، ونحو ذلك. قال :
فإن كان مدحا كان أبهى وأفخم ، وأنبل في النفوس وأعظم ، وأهزّ للعطف ، وأسرع للالف ، وأجلب للفرح ، وأغلب على الممتدح ، وأوجب شفاعة للمادح ، وأقضى له بغرّ المواهب والمنائح ، وأسير على الألسن وأذكر ، وأولى بأن تعلّقه القلوب وأجدر.
ومثاله في القرآن قوله تعالى ـ في وصف المؤمنين الّذين ثبتوا على الإيمان والجهاد في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص ـ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)(١).
فقد شبّه صلابة الإيمان بزرع نمى فقوي ، فخرج فرخه من قوّته وخصوبته ، فاشتدّ واستغلظ الزرع ، وضخمت ساقه وامتلأت ، فاستوى وازدهر. الأمر الّذي يبعث على الابتهاج والإعجاب من جهة ، وإغاظة الكفّار من جهة اخرى.
وقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(٢).
قال الزمخشري : يجوز أن يكون تمثيلا ، لاستظهاره به ووثوقه بحمايته ، بامتساك المتدلّي من مكان مرتفع بحبل وثيق يأمن انقطاعه (٣).
فقد شبّهت عرى الدين بوشائج وثيقة تربط الأمّة بعضها ببعض ، فكأنّ الشريعة المقدّسة حبل ممدود على طرف مهواة سحيقة ، والأمّة المتماسكة مستوثقون بعراها استيثاقا يأمن جانبهم من أخطار السقوط وينجيهم من مهاوي الضلال.
وقوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٤) شبّه الهدى بالنور ، والضلال بالظلمات ، والاهتداء بحالة الخروج من الظلمات إلى النور.
__________________
(١) الفتح ٤٨ : ٢٩.
(٢) آل عمران ٣ : ١٠٣.
(٣) الكشّاف ١ : ٣٩٤.
(٤) البقرة ٢ : ٢٥٧.