بذات الصدور ، جاء التعقيب بقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(١).
هذا والمجال واسع للكلام عن التمثيل في القرآن ، استوفينا الكلام فيه في حقول ثلاثة من مباحث إعجاز القرآن البياني الفائق ، فراجع (٢).
***
وبعد فإليك ما ورد بشأن التمثيل في القرآن من روايات :
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً)
[٢ / ٨١٨] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : لمّا ضرب الله هذين المثلين للمنافقين قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) قال المنافقون : الله أعلى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٣).
[٢ / ٨١٩] وأخرج عبد الغني الثقفي في تفسيره والواحدي عن ابن عبّاس قال : إنّ الله ذكر آلهة المشركين فقال : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا : أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمّد. أيّ شيء كان يصنع بهذا؟ فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) الآية (٤).
[٢ / ٨٢٠] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) وذلك أنّ الله ـ عزوجل ـ ذكر العنكبوت والذباب في القرآن فضحكت اليهود وقالت : ما يشبه هذا من الأمثال. فقال ـ سبحانه ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) يعني أنّ الله ـ عزوجل ـ لا يمنعه الحياء أن يصف للخلق مثلا (ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها)(٥).
__________________
(١) راجع : التمهيد ٥ : ٢٨٠. وفي ظلال القرآن ١ : ٤٥٢ ـ ٤٥٣.
(٢) التمهيد ٥ : ٢٦١ ـ ٣٠٤ فصل «حسن تشبيهه وجمال تصويره» ، و ٣٠٥ ـ ٣٣٠ فصل «جودة استعارته وروعة تخييله» ، و ٣٣١ ـ ٣٤٢ فصل «لطيف كنايته وظريف تعريضه».
(٣) الطبري ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ / ٤٦١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٦٨ / ٢٧٣ ، نقلا عن السدّي ؛ الدرّ ١ : ١٠٣ ؛ ابن كثير ١ : ٦٧.
(٤) الدرّ ١ : ١٠٣ ؛ أسباب النزول : ١٤ ؛ القرطبي ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٢.
(٥) تفسير مقاتل ١ : ٩٤ ـ ٩٥.