كلام عن الهداية والإضلال منه تعالى
جاء التعبير بالهداية والإضلال ناسبا إليه تعالى في القرآن في مواضع (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١). ما تلك الهداية يمنحها من يشاء ويمنعها عمّن يشاء من عباده ، وهو العزيز الغالب على أمره ، الحكيم في حسن فعاله ، لا يرتكب شططا (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(٢)؟!
نعم كان الإضلال منه تعالى بمعنى الخذلان ، أثرا مباشرا يلحق أولئك المعاندين ممّن تمادوا في الغيّ والضلال ، الّذين عرفوا الحقّ ولمسوا حقيقته بواقع فطرتهم الأولى ، لكنّهم أنكروه مكابرة وطغيانا ولجّوا في العتوّ والعناد ، فأصمّهم الله وأعمى أبصارهم.
(فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٣). (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ. تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ)(٤).
إذن كان ذلك الحرمان على اثر هذا الطغيان. أثرا مباشرا استدعاه لجاجهم في غياهب التيه والفساد.
أمّا الّذين اهتدوا فزادهم الله هدى وآتاهم تقواهم (٥). (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)(٦). وهي عناية ربّانيّة تشمل أولئك الّذين اتّخذوا سبيل الرشد وجاهدوا في الله حقّ جهاده (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(٧).
وقد استوفينا البحث حول الهداية والإضلال نسبتهما إلى الله سبحانه بما يتوافق مع عدله وحكمته تعالى ، في مباحثنا عن متشابهات القرآن من التمهيد فراجع (٨).
__________________
(١) إبراهيم ١٤ : ٤.
(٢) الكهف ١٨ : ٤٩.
(٣) الصفّ ٦١ : ٥.
(٤) المائدة ٥ : ٧٨ ـ ٨٠.
(٥) وفق الآية ١٧ من سورة محمّد ٤٧.
(٦) مريم ١٩ : ٧٦.
(٧) العنكبوت ٢٩ : ٦٩.
(٨) التمهيد ٣ : ١٧٥ ـ ٢٨٠.