وغيره. ولذلك صحّ قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(١).
وثانيها : يحتمل أن يعني به ما دلّ عليه بقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً)(٢).
فلمّا لم يفعلوا ما حلفوا عليه وصفهم بنقض عهده.
قال : والتأويل الأوّل يمكن فيه العموم في كلّ من ضلّ وكفر ، والثاني لا يمكن إلّا في من اختص بهذا الحلف. وبذلك يبدو رجحان التأويل الأوّل من وجهين : أحدهما : إمكان إجراء الآية على عمومها. وعلى الثاني يلزم التخصيص. وثانيهما : أنّ على التقدير الأوّل يلزمهم الذمّ ، لأنّهم نقضوا عهدا أبرمه الله وأحكمه بما أنزل من الأدلّة الّتي كرّرها عليهم في الأنفس والآفاق وأوضحها وأزال اللبس عنها ، ولما أودع في العقول من دلائلها وبعث الأنبياء وأنزل الكتب مؤكّدا لها. وأمّا على التقدير الثاني فإنّه يلزمهم الذمّ لأجل أنّهم تركوا شيئا هم بأنفسهم كانوا التزموه ، ومعلوم أنّ ترتيب الذمّ على الوجه الأوّل أولى.
وثالث الوجوه : قال القفّال (٣) : يحتمل أن يكون المقصود بالآية قوما من أهل الكتاب قد أخذ عليهم العهد والميثاق في الكتب المنزلة على أنبيائهم بتصديق نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم وبيّن لهم أمره وأمر أمّته فنقضوا ذلك وأعرضوا عنه وجحدوا نبوّته.
ورابعها : قال بعضهم : إنّه عنى ميثاقا أخذه من الناس وهم على صورة الذرّ وأخرجهم من صلب آدم ـ على ما مرّ في كلام الطبري ـ.
قال : قال المتكلّمون : هذا ساقط ، لأنّه تعالى لا يحتجّ على العباد بعهد وميثاق لا يشعرون به ، كما لا يؤاخذون بما ذهب علمه عن قلبهم بالسهو والنسيان ، فكيف يجوز أن يوبّخهم على ذلك؟
وخامسها : عهد الله إلى خلقه في ثلاثة عهود : العهد الأوّل ما أخذه على جميع ذريّة بني آدم
__________________
(١) البقرة ٢ : ٤٠.
(٢) فاطر ٣٥ : ٤٢.
(٣) هو أبو بكر عبد الله بن أحمد الفقيه الشافعي ، كان وحيد زمانه وله في مذهب الشافعي آثار ليست لغيره من أبناء عصره.
اشتغل بالتحصيل على الكبر بعد أن قضى شبيبته في صنع الأقفال وبذلك لقّب بالقفّال. وقد برع ومهر في مختلف العلوم حتّى طار صيته. وهو الّذي صلّى صلاة كذائيّة بمحضر السلطان محمود بن سبكتكين وكان حنفيّا فتحوّل إلى مذهب الشافعي ، على ما ذكره الدميري وابن خلّكان. توفّي سنة ٤١٧. راجع : الكنى والألقاب للقمي ٣ : ٧٨.