وينمي لها حبّها عندنا |
|
فما قال من كاشح لم يضرّ |
أي فما قاله كاشح ـ وهو الّذي يضمر العداوة ـ لم يضرّ.
قال : وقال الفارسي في قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) : يجوز كون «من» الثانية والثالثة زائدتين. فجوّز الزيادة في الإيجاب (١).
وقال الزمخشري : «من» الاولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، والثالثة للبيان. أو الاوليان للابتداء والآخرة للتبعيض (٢). فالمعنى على الأوّل : وننزّل من السماء شيئا من الجبال الكائنة من البرد. وعلى الثاني : وننزّل من السماء من جبال فيها شيئا من البرد. فقدّر المفعول به ولم يجعل «من» زائدة.
والّذي ذكره الزمخشري أصحّ ، لأنّ التقدير شائع في كلام العرب ولا سيّما مع معلوميّته كما هنا. قال ابن مالك : «وحذف ما يعلم جائز». أمّا زيادة «من» في الإيجاب ، فعلى فرض ثبوته فهو أمر شاذ ، ولا يجوز حمل القرآن عليه.
ومعنى الآية على ذلك : أنّه تعالى ينزّل من السّماء ماءا من جبال فيها ـ هي السحب الركاميّة ، وهي النوع الأهمّ من السحب ، لأنّها قد تمتدّ عموديّا عبر ١٥ أو ٢٠ كيلومترا ، فتصل إلى طبقات من الجوّ باردة جدّا تنخفض فيها درجة الحرارة إلى ٦٠ أو ٧٠ درجة مئوية تحت الصفر. وبذلك يتكوّن البرد (خيوط ثلجيّة) في أعالي تلك السحب ـ.
وقوله : «من برد» بيان لتكوّن تلك السحب الجباليّة (الركاميّة) ولو باعتبار قممها المتكوّن فيها الخيوط الثلجيّة (البرد).
والمعروف علميّا أنّ نموّ البرد في أعالي السحب الركاميّة يعطي انفصال شحنات أو طاقات كهربائيّة سالبة ، وأنّه عند ما يتساقط داخل السحابة ويصل في قاعدتها إلى طبقات مرتفعة الحرارة فوق الصفر يذوب ذلك البرد أو يتميّع ويعطي انفصال شحنات كهربائيّة موجبة. وعند ما لا يقوى الهواء على عزل الشحنة السالبة العليا عن الشحنة الموجبة في أسفل يحدث التفريغ الكهربائي على هيئة برق. وينجم عن التسخين الشديد المفاجئ الّذي يحدثه البرق أن يتمدّد الهواء فجأة ويتمزّق محدثا الرعد. وما جلجلة الرعد إلّا عمليّة طبيعيّة بسبب سلسلة الانعكاسات الّتي تحدث
__________________
(١) مغني اللبيب لابن هشام ١ : ٣٢٥ ، حرف الميم.
(٢) الكشّاف ٣ : ٢٤٦.