مخلوقة ـ أو مصنوعة ـ من أجله ، من أجل تحقيق إنسانيّته ، من أجل تقرير وجوده الإنساني. فلا يجوز إذن أن يكون ثمنها هو سلب قيمة من قيمه الإنسانيّة ، أو نقض مقوّم من مقوّمات كرامته.
والاعتبار الثاني هو أنّ دور الإنسان في الأرض هو الدور الأوّل. فهو الّذي يغيّر ويبدّل في أشكالها وفي ارتباطاتها ؛ وهو الّذي يقود اتجاهاتها ورحلاتها. وليست وسائل الإنتاج ولا توزيع الإنتاج ، هي الّتي تقود الإنسان وراءها ذليلا سلبيّا كما تصوّره المذاهب الّتي تحقّر من دور الإنسان وتصغّر ، بقدر ما تعظّم في دور الآلة وتكبّر!
إنّ النظرة القرآنيّة تجعل هذا الإنسان بخلافته في الأرض ، عاملا مهمّا في نظام الكون ، ملحوظا في هذا النظام. فخلافته في الأرض تتعلّق بارتباطات شتّى مع السماوات ومع الرياح ومع الأمطار ، ومع الشموس والكواكب. وكلّها ملحوظ في تصميمها وهندستها إمكان قيام الحياة على الأرض ، وإمكان قيام هذا الإنسان بالخلافة. فأين هذا المكان الملحوظ من ذلك الدور الذليل الصغير الّذي تخصّصه له المذاهب الماديّة ، ولا تسمح له أن يتعدّاه؟!
وما من شكّ أنّ كلّا من نظرة الإسلام هذه ونظرة الماديّة للإنسان تؤثّر في طبيعة النظام الّذي تقيمه هذه وتلك للإنسان ؛ وطبيعة احترام المقوّمات الإنسانيّة أو إهدارها ؛ وطبيعة تكريم هذا الإنسان أو تحقيره. وليس ما نراه في العالم المادّي من إهدار كلّ حرّيّات الإنسان وحرماته ومقوّماته في سبيل توفير الإنتاج المادّي وتكثيره ، إلّا أثرا من آثار تلك النظرة إلى حقيقة الإنسان ، وحقيقة دوره في هذه الأرض!
كذلك ينشأ عن نظرة الإسلام الرفيعة إلى حقيقة الإنسان ووظيفته ، إعلاء القيم الأدبيّة في وزنه وتقديره ، وإعلاء قيمة الفضائل الخلقيّة ، وتكبير قيم الإيمان والصلاح والإخلاص في حياته. فهذه هي القيم الّتي يقوم عليها عهد استخلافه : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وهذه القيم أعلى وأكرم من جميع القيم المادّيّة ـ هذا مع أنّ من مفهوم الخلافة تحقيق هذه القيم المادّيّة ، ولكن بحيث لا تصبح هي الأصل ولا تطغى على تلك القيم العليا ـ ولهذا وزنه في توجيه القلب البشري إلى الطهارة والارتفاع والنظافة في حياته. بخلاف ما توحيه المذاهب المادّيّة من استهزاء بكلّ القيم الروحيّة ، وإهدار لكلّ القيم الأدبيّة ، في سبيل الاهتمام المجرّد بالإنتاج