والسلع ومطالب البطون كالحيوان (١)!
وفي التصوّر الإسلامي إعلاء من شأن الإرادة في الإنسان فهي مناط العهد مع الله ، وهي مناط التكليف والجزاء. إنّه يملك الارتفاع على مقام الملائكة بحفظ عهده مع ربّه عن طريق تحكيم إرادته ، وعدم الخضوع لشهواته ، والاستعلاء على الغواية الّتي توجّه إليه. بينما يملك أن يشقي نفسه ويهبط من عليائه ، بتغليب الشهوة على الإرادة ، والغواية على الهداية ، ونسيان العهد الّذي يرفعه إلى مولاه. وفي هذا مظهر من مظاهر التكريم لا شكّ فيه ، يضاف إلى عناصر التكريم الأخرى. كما أنّ فيه تذكيرا دائما بمفرق الطريق بين السعادة والشقاوة ، والرفعة والهبوط ، ومقام الإنسان المريد ودرك الحيوان المسوق!
وفي أحداث المعركة الّتي تصوّرها القصّة بين الإنسان والشيطان مذكّر دائم بطبيعة المعركة. إنّها بين عهد الله وغواية الشيطان ، بين الإيمان والكفر ، بين الحقّ والباطل ، بين الهدى والضلال ، والإنسان هو نفسه ميدان المعركة. وهو نفسه الكاسب أو الخاسر فيها. وفي هذا إيحاء دائم له باليقظة ؛ وتوجيه دائم له بأنّه جنديّ في ميدان ؛ وأنّه هو صاحب الغنيمة أو السلب في هذا الميدان!
وأخيرا تجيء فكرة الإسلام عن الخطيئة والتوبة : إنّ الخطيئة فرديّة والتوبة فرديّة ، في تصوّر واضح بسيط لا تعقيد فيه ولا غموض ، ليست هنالك خطيئة مفروضة على الإنسان قبل مولده ـ كما تقول نظريّة الكنيسة ـ وليس هنالك تكفير لاهوتيّ ، كالذي تقول الكنيسة إنّ عيسى عليهالسلام (ابن الله بزعمهم) قام به بصلبه ، تخليصا لبني آدم من خطيئة آدم! كلّا! خطيئة آدم كانت خطيئته الشخصيّة ، والخلاص منها كان بالتوبة المباشرة في يسر وبساطة. وخطيئة كلّ ولد من أولاده خطيئة كذلك شخصيّة ، والطريق مفتوح للتوبة في يسر وبساطة ، تصوّر مريح صريح. يحمل كلّ إنسان وزره ، ويوحي إلى كلّ إنسان بالجهد والمحاولة وعدم اليأس والقنوط «إنّ الله توّاب رحيم».
هذا طرف من إيحاءات قصّة آدم ـ في هذا الموضع ـ نكتفي به في ظلال القرآن. وهو وحده ثروة من الحقائق والتصوّرات القويمة ؛ وثروة من الإيحاءات والتوجيهات الكريمة ؛ وثروة من الأسس التي يقوم عليها تصوّر اجتماعي وأوضاع اجتماعيّة ، يحكمها الخلق والخير والفضيلة. ومن هذا الطرف نستطيع أن ندرك أهميّة القصص القرآنيّ في تركيز قواعد التصوّر الإسلامي ؛ وإيضاح
__________________
(١) يراجع بتوسّع كتاب : «الإنسان بين الماديّة والإسلام» لمحمّد قطب ـ «دار الشروق».