القيم التي يرتكز عليها. وهي القيم الّتي تليق بعالم صادر عن الله ، متّجه إلى الله ، صائر إلى الله في نهاية المطاف ، عقد الاستخلاف فيه قائم على تلقّي الهدى من الله ، والتقيّد بمنهجه في الحياة. ومفرق الطريق فيه أن يسمع الإنسان ويطيع لما يتلقّاه من الله ، أو أن يسمع الإنسان ويطيع لما يمليه عليه الشيطان. وليس هناك طريق ثالث ، إمّا الله وإمّا الشيطان ، إمّا الهدى وإمّا الضلال ، إمّا الحق وإمّا الباطل ، إمّا الفلاح وإمّا الخسران. وهذه الحقيقة هي الّتي يعبّر عنها القرآن كلّه ، بوصفها الحقيقة الأولى ، الّتي تقوم عليها سائر التصوّرات ، وسائر الأوضاع في عالم الإنسان» (١).
عناية ربّانيّة دائمة
وممّا يستلفت النظر من قصّة البشريّة الأولى ، هي تلك عناية الله سبحانه وتعالى بالنسبة لهذا الإنسان ، ترافقه طول الحياة مادام مستمسكا بعروة الله الوثقى الّتي لا انفصام لها.
لقد كان التساؤل خطيرا : هلّا كان العقل البشري يمنحه دعة في الحياة أم يجعله في قلق دائب؟
فكان الجواب : أنّ الإنسان بما أنّه يعقل الأمور ويتدبّرها بفضل إمعانه في النظر والتفكير ، بما أنّه كذلك فإنّه يصبح ويمسي قلقا وفي اضطراب نفساني دائم ، حيث يرى نفسه في خضمّ من الحوادث والكوارث تترى على العائشين على هذه البسيطة. وهو لا يعلم مصيره بالذات ، فلا يطمئنّ باله حيث توجّه خياله.
والإنسان أوّل ما وضع قدميه على الأرض أحسّ بهذا القلق ، حيث الوحشة ترافقه إذا ما ترك وشأنه!
غير أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ بفضل رحمانيّته ورأفته بعباده ، لم يدع الإنسان غائرا في هواجسه ، وقد خلقه ليكون خليفته في الأرض.
فهو ـ سبحانه ـ إثر ما أهبطه إلى الأرض ـ الموعودة ـ أرفقه بزاده وراحلته في هذا المسير الصعب ؛ وعده بالنصر والهدى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢).
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ : ٧٣ ـ ٧٦.
(٢) البقرة ٢ : ٣٨ ـ ٣٩.