وقيل إنّ الأرض الّتي ذكرها الله في هذه الآية هي مكّة. ذكر من قال ذلك :
[٢ / ٩٤٧] حدّثنا ابن حميد ، بالإسناد عن ابن سابط أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «دحيت الأرض من مكّة. وكانت الملائكة تطوف بالبيت ، فهي أوّل من طاف به ، وهي الأرض الّتي قال الله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وكان النبيّ (١) إذا هلك قومه ونجا هو والصالحون أتى هو ومن معه فعبدوا الله بها حتّى يموتوا ، فإنّ قبر نوح وهود وصالح وشعيب بين زمزم والركن والمقام» (٢).
وقال في تأويل قوله تعالى : (خَلِيفَةً) :
والخليفة الفعيلة ، من قولك : خلف فلان فلانا في هذا الأمر إذا قام مقامه فيه بعده ، كما قال جلّ ثناؤه : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)(٣). يعني بذلك : أنّه أبدلكم في الأرض منهم فجعلكم خلفاء بعدهم. ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم : خليفة ، لأنّه خلف الّذي كان قبله ، فقام بالأمر مقامه ، فكان منه خلفا ، يقال منه : خلف الخليفة يخلف خلافة وخليفا.
[٢ / ٩٤٨] وكان محمّد بن إسحاق يقول بما حدّثنا به ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يقول : ساكنا وعامرا ؛ يسكنها ويعمرها ، خلفا ليس منكم.
وليس الّذي قال ابن إسحاق في معنى الخليفة بتأويلها ، وإن كان الله ـ جلّ ثناؤه ـ إنّما أخبر ملائكته أنّه جاعل في الأرض خليفة يسكنها ، ولكن معناها ما وصفت قبل (٤).
فإن قال لنا قائل : فما الّذي كان في الأرض قبل بني آدم لها عامرا فكان بنو آدم بدلا منه وفيها منه خلفا؟ قيل : قد اختلف أهل التأويل في ذلك.
[٢ / ٩٤٩] فحدّثنا أبو كريب ، بالإسناد إلى ابن عبّاس ، قال : أوّل من سكن الأرض الجنّ ، فأفسدوا فيها ، وسفكوا فيها الدماء ، وقتل بعضهم بعضا. قال : فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة ، فقتلهم إبليس ومن معه ، حتّى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ؛ ثمّ خلق آدم
__________________
(١) أي كلّ نبيّ من الأنبياء.
(٢) هذا الحديث مرسل ، فاين سابط راوي الحديث تابعيّ لم يدرك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولم يوجد هذا الحديث في أيّ من الصحاح.
(٣) يونس ١٠ : ١٤.
(٤) الّذي ذكره ابن إسحاق في معنى الخليفة : هو الخلف منه تعالى ، ليكون هذا المخلوق الجديد خليفة الله في الأرض. وأمّا الّذي اختاره ابن جرير فهو الخلف عن مخلوق قبل آدم ، الجنّ أو النسناس ، على ما ذكره الأخباريّون.