فأسكنه إيّاها ، فلذلك قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).
فعلى هذا القول ، إنّي جاعل في الأرض خليفة من الجنّ يخلفونهم فيها فيسكنونها ويعمرونها.
[٢ / ٩٥٠] وحدّثني المثنّى بالإسناد إلى الربيع بن أنس في قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) الآية ، قال : إنّ الله خلق الملائكة يوم الأربعاء ، وخلق الجنّ يوم الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة ، فكفر قوم من الجنّ ، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ، فكانت الدماء وكان الفساد في الأرض.
وقال آخرون في تأويل قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أي خلفا يخلف بعضهم بعضا ، وهم ولد آدم الّذين يخلفون أباهم آدم ، ويخلف كلّ قرن منهم القرن الّذي سلف قبله.
وهذا قول حكي عن الحسن البصري ، ونظير له ما :
[٢ / ٩٥١] حدّثنى به محمّد بن بشّار ، بالإسناد إلى ابن سابط في قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) قال : يعنون به بني آدم.
[٢ / ٩٥٢] وحدّثني يونس بالإسناد إلى ابن زيد ، قال الله للملائكة : إنّي أريد أن أخلق في الأرض خلقا ، وأجعل فيها خليفة ، وليس لله يومئذ خلق إلّا الملائكة والأرض ليس فيها خلق.
وهذا القول يحتمل ما حكي عن الحسن ، ويحتمل أن يكون أراد ابن زيد أنّ الله أخبر الملائكة أنّه جاعل في الأرض خليفة له ، يحكم فيها بين خلقه بحكمه ، نظير ما :
[٢ / ٩٥٣] حدّثني به موسى بن هارون ، بالإسناد إلى ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّ الله جلّ ثناؤه قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) قالوا : ربّنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال : يكون له ذرّيّة يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا.
فكان تأويل الآية على هذه الرواية الّتي ذكرناها عن ابن مسعود وابن عبّاس : إنّي جاعل في الأرض خليفة منّي يخلفني في الحكم بين خلقي ، وذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه.
وأمّا الإفساد وسفك الدماء بغير حقّها فمن غير خلفائه ، ومن غير آدم ومن قام مقامه في عباد الله ؛ لأنّهما (١) أخبرا أنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ قال لملائكته ـ إذ سألوه : ما ذاك الخليفة ـ : إنّه خليفة يكون
__________________
(١) أي ابن مسعود وابن عبّاس.