له ذرّيّة يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فأضاف الإفساد وسفك الدماء بغير حقّها إلى ذرّيّة خليفته دونه ، وأخرج منه خليفته.
وهذا التأويل وإن كان مخالفا في معنى الخليفة ما حكي عن الحسن من وجه ، فموافق له من وجه. فأمّا موافقته إيّاه فصرف متأوّليه إضافة الإفساد في الأرض وسفك الدماء فيها إلى غير الخليفة. وأمّا مخالفته إيّاها فإضافتهم الخلافة إلى آدم بمعنى استخلاف الله إيّاه فيها ، وإضافة الحسن الخلافة إلى ولده بمعنى خلافة بعضهم بعضا ، وقيام قرن منهم مقام قرن قبلهم ، وإضافة الإفساد في الأرض وسفك الدماء إلى الخليفة.
والّذي دعا المتأوّلين قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) في التأويل الّذي ذكر عن الحسن إلى ما قالوا في ذلك ، أنّهم قالوا : إنّ الملائكة إنّما قالت لربّها إذ قال لهم ربّهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) إخبارا منها بذلك عن الخليفة الّذي أخبر الله ـ جلّ ثناؤه ـ أنّه جاعله في الأرض لا غيره ؛ لأنّ المحاورة بين الملائكة وبين ربّها عنه جرت. قالوا : فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الله قد برّأ آدم من الإفساد في الأرض وسفك الدماء وطهّره من ذلك ، علم أنّ الّذي عني به غيره من ذرّيّته ، فثبت أنّ الخليفة الّذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء هو غير آدم ، وأنّهم ولده الّذين فعلوا ذلك ، وأنّ معنى الخلافة الّتي ذكرها الله إنّما هي خلافة قرن منهم قرنا غيرهم لما وصفنا. وأغفل قائلو هذه المقالة ومتأوّلو الآية هذا التأويل سبيل التأويل ، وذلك أنّ الملائكة إذ قال لها ربّها : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) لم تضف الإفساد وسفك الدماء في جوابها لربّها إلى خليفته في أرضه ، بل قالت : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) ، وغير منكر أن يكون ربّها أعلمها أنّه يكون لخليفته ذلك ذرّيّة يكون منهم الإفساد وسفك الدماء ، فقالت : يا ربّنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ كما قال ابن مسعود وابن عبّاس ، ومن حكينا ذلك عنه من أهل التأويل (١).
***
وهناك قول بأنّ الله هو أعلمهم بذلك ، كما في الحديث عن قتادة :
[٢ / ٩٥٤] أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) قال : كان الله أعلمهم إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، فذلك قوله : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها).
__________________
(١) الطبري ١ : ٢٨٧ ـ ٢٩٠.