القدريّة. ثمّ قال أبو عبد الله عليهالسلام : إنّ آدم كان له في السماء خليل من الملائكة ، فلمّا هبط آدم من السماء إلى الأرض استوحش الملك ، وشكا إلى الله ـ تعالى ـ وسأله أن يأذن له فيهبط عليه ، فأذن له ، فهبط عليه فوجده قاعدا في قفرة من الأرض ، فلمّا رآه آدم وضع يده على رأسه وصاح صيحة ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : يروون أنّه أسمع عامّة الخلق. فقال له الملك : يا آدم ما أراك إلّا قد عصيت ربّك وحملت على نفسك ما لا تطيق ، أتدري ما قال الله لنا فيك فرددنا عليه؟ قال : لا ، قال : قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً). قلنا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فهو خلقك أن تكون في الأرض [أ] يستقيم أن تكون في السماء؟! فقال أبو عبد الله عليهالسلام : والله عزّي بها آدم ، ثلاثا» (١).
قوله : «هو كسر على القدريّة» ، لعلّه من جهة أنّ التقادير إنّما كانت تابعة لما يختاره الإنسان في حياته ، فيقدّر له من الآثار ما كان يستتبع فعاله. إذ ليس تقديره تعالى للأمور سوى علمه بما سيقع وما يستتبع من آثار.
[٢ / ٩٧٠] وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ، قال الله للملائكة : إنّي أريد أن أخلق في الأرض خلقا ، وأجعل فيها خليفة ، وليس لله يومئذ خلق إلّا الملائكة والأرض ليس فيها خلق (٢).
[٢ / ٩٧١] وأخرج ابن جرير بإسناده إلى الضحّاك ، عن ابن عبّاس ، قال : كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة ، يقال لهم «الحنّ» (٣) خلقوا من نار السموم من بين الملائكة ، قال : وكان اسمه الحارث. قال : وكان خازنا من خزّان الجنّة. قال : وخلقت الملائكة كلّهم من نور غير هذا الحيّ. قال : وخلقت الجنّ الّذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، وهو لسان النار الّذي يكون في طرفها إذ ألهبت. قال : وخلق الإنسان من طين ، فأوّل من سكن الأرض الجنّ ، فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضا. قال : فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة ، وهم هذا الحيّ الّذين يقال لهم «الحنّ» ، فقتلهم إبليس ومن معه حتّى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال. فلمّا فعل إبليس ذلك اغترّ في نفسه وقال : قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد. قال : فاطّلع الله على ذلك من قلبه ولم تطّلع عليه
__________________
(١) العياشي ١ : ٥٠ / ١٠. البحار ١١ : ٢١١ ـ ٢١٢ / ١٨. البرهان ١ : ١٦٧ / ٩.
(٢) الطبري ١ : ٢٨٨ / ٥٠٧ ؛ ابن كثير ١ : ٧٤.
(٣) الحنّ ـ بحاء مهملة وتشديد النون ـ : ضرب من الجنّ. قال ابن المسيّب : الحنّ ، الكلاب السود المعينة. قال ابن الأثير : ومنه حديث ابن عبّاس : «الكلاب من الحنّ ، وهي ضعفة الجنّ» (النهاية لابن الأثير ١ : ٤٥٣ ، مادّة حنن).