الله ـ عزوجل ـ يقول : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)(١) قال : قلت : فأراه حسن السيماء وله وقار فأغتمّ لذلك ، قال : لا تغتمّ لما رأيت من نزق أصحابك ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين ، ثمّ فرّقهما فرقتين ، فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني. فكانوا خلقا بمنزلة الذرّ يسعى ، وقال لأهل الشمال : كونوا خلقا بإذني ، فكانوا خلقا بمنزلة الذرّ ، يدرج ، ثمّ رفع لهم نارا فقال : ادخلوها بإذني ، فكان أوّل من دخلها محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ اتّبعه اولو العزم من الرّسل وأوصياؤهم وأتباعهم ، ثمّ قال لأصحاب الشمال : ادخلوها بإذني ، فقالوا : ربّنا خلقتنا لتحرقنا؟ فعصوا ، فقال لأصحاب اليمين اخرجوا بإذني من النّار ، لم تكلم النّار منهم كلما (٢) ، ولم تؤثّر فيهم أثرا ، فلمّا رآهم أصحاب الشّمال ، قالوا : ربّنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدّخول ، قال : قد أقلتكم فادخلوها ، فلمّا دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا : يا ربّنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا ، فأمرهم بالدخول ثلاثا ، كلّ ذلك يعصون ويرجعون وأمر أولئك ثلاثا ، كلّ ذلك يطيعون ويخرجون ، فقال لهم [جميعا] : كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم ، قال : فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب الشّمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب اليمين» (٣).
نظرة في أخبار الطينة
اعلم أنّ مذهبنا في الخلق والتكليف هو البناء على الفطرة السليمة فطرة التوحيد الّتي فطر الناس عليها. ليكون الحياد عنها عارضا رغم صميم الذات.
قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٤).
نعم كان الناس جميعا ـ على مختلف شعبهم وألوانهم وتنوّع بيئاتهم ـ مفطورين على التوحيد والإقرار بربوبيّته تعالى ، منذ أن فطموا ولم يزالوا.
__________________
(١) الفتح ٤٨ : ٢٩.
(٢) الكلم : الجرح.
(٣) الأحاديث مستخرجة من الكافي الشريف ٢ : ٢ ـ ١١.
(٤) الروم ٣٠ : ٣٠.