نمط من الأرواح وأبدانها فكانت الخلقة تابعة للفعلة ـ في سابق علمه تعالى ـ لا العكس حتّى يستلزم الجبر. الأمر الّذي لا يتنافى وأصل الاختيار في التكليف فلا جبر ولا ظلم ، بل هو مقتضى الحكمة المتعالية (١).
وهذا الرأي قد استجاده المولى الشعراني ، قال : ولنعم ما قال الفاضل محمّد صالح المازندراني : إنّ كلّا من الطينتين تابع للإيمان والكفر ومسبّب عنهما لا العكس ، لأنّ الله تعالى علم أنّ جماعة يؤمنون باختيارهم ، سواء أكانوا من طينة علّيّين أم من طينة سجّين ، ولذلك خلق المؤمنين من علّيّين تشريفا لهم ، وعلم أنّ جماعة يكفرون باختيارهم ولو كانوا من طينة علّيّين ، ولذلك خلقهم من سجّين ، توهينا بهم. وبذلك تبيّن فساد توهّم أنّ الإيمان وصفات الكمال تابعة لطهارة الطينة ، وأنّ الكفر وسمات الضلال تابعة لخبث الطينة. بل العكس هو الأولى وأنّ طينة الشرّ عارضة على الفطرة الأولى الّتي أرادها الله في الأزل (٢).
والمولى صالح المازندراني قرّب من وجه مراده بضرب مثال قال : إنّك إذا قرّرت لعبدك المطيع بيتا شريفا ، ولعبدك المتمرّد بيتا وضيعا ، استحسنك العقلاء ولا يصفونك بالجور وعدم الاعتدال. بل الجور كان لو تساويت بينهما ، إذ قد وضعت شيئا في غير موقعه اللائق به.
وقال ـ في شرح قوله عليهالسلام : «إنّ الله خلق المؤمن من طينة الجنّة وخلق الكافر من طينة النار ...» ـ : إنّه تعالى لمّا علم في الأزل من المؤمن طاعته ومن الكافر عصيانه ، خلق كلّ واحد منهما في هذه النشأة ممّا يؤول إليه في النشأة الآخرة (٣).
***
وقريب منه ما ذكره العلّامة المجلسي عن بعضهم ، قال : إنّ الله تعالى لمّا علم في الأزل ، الأرواح الّتي تختار الإيمان باختيارها ، والّتي تختار العصيان باختيارها ، سواء خلقوا من طينة علّيّين أو من طينة سجّين ، فلمّا علم ذلك أعطى أبدان الأرواح الّتي علم أنّهم يختارون الإيمان ، كيفيّة العلّيّين للمناسبة ، وأعطى أبدان الأرواح الّتي علم أنّها تختار الكفر باختيارها ، كيفيّة السجّين ، من غير أن يكون للأمرين مدخل في اختيارهم الإيمان والكفر ... (٤).
__________________
(١) المصدر : ٥.
(٢) راجع كلامه في التعليق على الوافي ٣ : ٢٧ ، بتوضيح.
(٣) راجع : شرح اصول الكافي ٨ : ٥.
(٤) مرآة العقول ٧ : ٣.