وقال في بحار أنواره : اعلم أنّ أخبار هذا الباب من المتشابهات المعضلات ، ولأصحابنا ـ رضي الله عنهم ـ فيها مسالك :
منها ما ذهب إليه الأخباريّون ، قالوا : نؤمن بها مجملا ونعترف الجهل والعجز عن معرفة حقيقة معناها. ونردّ علمه إلى الأئمّة عليهمالسلام.
ومنها أنّها صدرت موافقة لمذاهب العامّة ولا سيّما الأشاعرة حسب إذعانهم بهكذا روايات روتها الحشويّة منهم.
ومنها أنّها كناية عن علمه تعالى في الأزل بما هم صائرون إليه في المآل ، فكان علمه تعالى بذلك ، كأنّه خلقهم من طينات مختلفة.
ومنها أنّها كناية عن اختلاف الاستعدادات والّتي لا توجب جبرا في التكليف والاختيار.
ومنها أنّه لمّا كلّف الله الأرواح ـ في عالم الذرّ ـ وأخذ منهم الميثاق ، اختار بعضهم الخير وبعضهم الشرّ حينذاك ، فتفرّع على ذلك اختلاف الطينة حسب اختيارهم (١).
ثمّ إنّ المجلسى تضعّف هذه الوجوه وجنح إلى ترك الخوض في أمثال تلكم المسائل الغامضة الّتي تعجز العقول عن إدراك كنهها ، فليوكل علمها إلى أهله!
لكنّه تراجع غير مقبول من أمثاله من نقّاد الحديث ، ممّن وقفوا على معاريض كلام الأئمّة عليهمالسلام ، وكانت لهم الحنكة الوافية بتشخيص السليم من السقيم من الأخبار والآثار ، الأمر الّذي يليق بمثله وهو المضطلع الخبير.
***
وهكذا ذكر السيّد عبد الله شبّر هذه الوجوه في شيء من التفصيل ولم يرجّح.
قال : إعلم أنّ هذا الخبر ونحوه من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، الّتي تحيّرت فيها الأنظار ، وتصادمت فيها الأفكار ، واختلفت في توجيهها كلمات علمائنا الأبرار ، وقد تخرّجوا عمّا يلزم من ظاهرها من الجبر ورفع الاختيار بوجوه :
(الأوّل) أنّها أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا فيجب ردّها وطرحها لا سيّما وهي مخالفة للكتاب الكريم والسنّة القطعيّة وإجماع الامامية وللأدلة العقليّة والبراهين اليقينيّة.
__________________
(١) البحار ٥ : ٢٦٠ ـ ٢٦١.