الليل ، ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله ـ جلّ وعزّ ـ للجبال بالتأويب إلّا تعبّدا لها.
وكذلك قوله ـ جلّ وعزّ ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)(١). فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها عنها كما لا نفقه تسبيحها.
وكذلك قوله : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)(٢). وقد علم الله هبوطها من خشيته ، ولم يعرّفنا ذلك ، فنحن نؤمن بما أعلمنا ولا ندّعي بما لم نكلّف بأفهامنا من علم فعلها كيفيّة نحدّها (٣).
[٢ / ١٠٣٤] قال أبو زكريّا الفرّاء : حدّثني قيس بن الربيع عن عمّار الدهنيّ عن سعيد بن جبير قال : «كلّ تسبيح في القرآن فهو صلاة ، وكلّ سلطان حجّة ، هذا لقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٤). وهذا معنى قوله تعالى : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)(٥).
ماذا نفقه من تسبيح الكائنات؟
قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(٦).
لو فسّرنا التسبيح ـ هنا ـ بدلالة ذوات الأشياء على بارئها الحكيم ، كما قال الشاعر :
وفي كلّ شيء له آية |
|
يدلّ على أنّه واحد |
فهذا لا يصحّ ـ في المراد من الآية ـ حتّى ولو كان المخاطب هم المشركين. إذ قد عرفت من كلام أبي إسحاق الزجّاج : أنّهم كانوا معترفين بالّذي خلق السماوات والأرض ومن فيهنّ. (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)(٧).
نعم لو فسّرنا التسبيح بالعبادة والسجود لله ، بمعنى الخضوع والاستسلام لإرادته تعالى ، كان
__________________
(١) الحجّ ٢٢ : ١٨.
(٢) البقرة ٢ : ٧٤.
(٣) تهذيب اللغة ٤ : ١٩٧ ؛ اللسان ٢ : ٤٧٢.
(٤) معاني القرآن للفرّاء ٢ : ١٢٥. والآية من سورة الإسراء ١٧ : ٤٤.
(٥) النور ٢٤ : ٤١.
(٦) الإسراء ١٧ : ٤٤.
(٧) الزخرف ٤٣ : ٩.