عدم التفقّه لهذا المعنى ـ لمن نظر سطحيّا ـ ذا وجه وجيه ، حيث خضوع الكائنات لقوانين النظام واستسلامها لنواميس الطبيعة ، أمر لا يعلمه إلّا العلماء الراسخون في العلم ، العارفون بأسرار الكون وخبيئات الوجود.
قلت : وحتّى للمتعمّقين من العلماء ، قد خفي عليهم وجه هذا الاستسلام الّذي ينبىء عن شعور ذاتي في ذوات الأشياء ، والّذي يبدو بوضوح في مثل النحل والنمل وغيرهما ، من ذوي الأحاسيس الحادّة ، تعمل وفق مصالحها حسبما جبلها الله عليه. فما هذه الشعور والإحساس الّذي يبعث الكائنات على العمل وفق وظيفتها تماما؟!
هذه السلحفاة تبيض خارج البحر وتطمّ بيضها في حفيرة وتتركها لشأنها. ثمّ لمّا خرجت الفروخ عن البيض ، إذا هي تأخذ طريقها إلى البحر ، لتكرّر حياة أسلافها ، وفق سنّة الله الّتي جرت في الخلق.
كيف هذا الشعور ومن أين؟ الأمر الّذي يجهله الناس كافّة وحتّى العلماء ، وإنّما عرفوا الآثار والنتائج. أمّا العلل والأسباب الكامنة فمجهولة على الإطلاق!
«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ»
ماذا يعني التسبيح بحمد ربّنا؟
التسبيح : تنزيه عن الأسواء.
والتحميد : تمجيد بجلائل الصفات.
ومن ثمّ قد يكون التنزيه بنفس التمجيد ، فإذا مجّدته تعالى بصفاته العظام فقد نزّهته عن الأسواء ، حيث ترفّعه تعالى عمّا دون شأنه الرفيع.
فإذا قلت : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(١).
أو قلت : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٥٥.