وأمّا إرادته ، فينزّهها عن أن تدور حول الحظوظ البشريّة الّتي ترجع إلى لذّة الشهوة والغضب ، ومتعة المطعم والمنكح والملبس والملمس والمنظر ، وما لا يصل إليه من اللذّات إلّا بواسطة الحسّ والقالب ، بل لا يريد إلّا الله ـ عزوجل ـ ولا يبقى له حظّ إلّا فيه ، ولا يكون له شوق إلّا إلى لقائه ، ولا فرح إلّا بالقرب منه. ولو عرضت عليه الجنّة وما فيها من النعيم لم تلتفت همّته إليها ، ولم يقنع من الدارين إلّا بربّ الدارين.
وعلى الجملة ، الإدراكات الحسّيّة والخياليّة يشارك البهائم فيها ، فينبغي أن يترقّى عنها إلى ما هو من خواصّ الإنسانيّة. والحظوظ البشريّة الشهوانيّة يزاحم البهائم أيضا فيها ، فينبغي أن يتنزّه عنها. فجلالة المريد على قدر جلالة مراده.
ومن همّته ما يدخل في بطنه ، فقيمته ما يخرج منه. ومن لم يكن له همّة سوى الله ـ عزوجل ـ فدرجته على قدر همّته. ومن رقّى علمه من درجة المتخيّلات والمحسوسات ، وقدّس إرادته عن مقتضى الشهوات ، فقد نزل بحبوحة حظيرة القدس (١).
رأي المشايخ في اسمه تعالى «القدّوس»
ذكر الإمام الرازي أنّ بعض الشيوخ قال : القدّوس ، من تقدّست عن الحاجات ذاته وتنزّهت عن الآفات صفاته.
وقيل : القدّوس ، من قدّس نفوس الأبرار عن المعاصي ، وأخذ الأشرار بالنواصي.
وقيل : القدّوس ، من تقدّس عن مكان يحويه ، وعن زمان يبليه.
وقيل : القدّوس ، الّذي قدّس قلوب أوليائه عن السكون إلى المألوفات ، وأنّس أرواحهم بفنون المكاشفات (٢).
اشتقاق كلمة «قدّوس»
قال بعضهم : أصل هذه الكلمة سريانيّة ، وهو : قدّيسا. وهم يقولون في أدعيتهم : قدّيس قدّيس.
__________________
(١) المقصد الأسنى ، في شرح أسماء الله الحسنى ، لأبي حامد الغزالي : ٧١ ـ ٧٣.
(٢) شرح أسماء الله الحسنى ، للإمام الرازي : ١٨٦.