قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)
هذا هو المشهد الثالث من قصّة البشريّة الأولى ، أبيح للإنسان أن يتمتّع بكافّة أنحاء المتع في الحياة ، لكنّها المتع المسموحة ـ والتي فيها الخير والصلاح والموجبة لتداوم سعادته في الحياة ـ لا الممنوعة الّتي تتعقّبها المحروميّة.
لقد أبيحت لهما (آدم وزوجه حوّاء) كلّ ثمار الجنّة ، إلّا شجرة واحدة. وربما كانت ترمز للمحظور الّذي قد يعرقل الحياة في الأرض بل ولو لا الممنوعيّة إلى جنب الممنوحيّة لما كانت تنبت الإرادة في هذا الكائن المختار. ولما كاد يتميّز من الحيوان المسوق ، ولا يمتحن بالصبر على الوفاء بالعهد والتقيّد بالشرط ... فالإرادة هي مفرق الطريق .. فالذين يستمتعون بلا اختيار الأفضل الأصلح ، تمتّعا بلا هوادة هم من عالم البهيمة بل هم أضلّ ، حتّى ولو بدوا في شكل الآدميّين!!
والروايات بشأن آدم عليهالسلام في هذه المرحلة متنوّعة باحثة عن مختلف شؤونه ، فمن كونه نبيّا فإلى زلّته وقبول توبته ، ثمّ توالد النسل البشري.
فممّا ورد بشأن نبوّته :
[٢ / ١١٧٦] ما رواه الصدوق بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم في مسائلة مأمون للإمام الرضا عليهالسلام جاء فيها : «كانت خطيئة آدم قبل نبوّته ، ثمّ تاب عليه واجتباه نبيّا». (١) ويأتي تمام الحديث.
[٢ / ١١٧٧] وأخرج أحمد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة «أنّ أبا ذرّ قال : يا نبيّ الله أيّ الأنبياء كان أوّل؟ قال : آدم. قال : أو نبيّا كان آدم؟ قال : نعم. نبيّ مكلّم ، خلقه الله بيده ثمّ نفخ فيه من روحه ثمّ قال له : يا آدم قبلا (٢). قلت : يا رسول الله كم وفى عدّة الأنبياء؟ قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر. جمّا غفيرا» (٣).
__________________
(١) تلخيص ممّا رواه الصدوق في الباب ١٥ من عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، والبحار ١١ : ٧٨ / ٨.
(٢) أي مشافهة بلا واسطة.
(٣) الدرّ ١ : ١٢٦ ؛ مسند أحمد ٥ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ؛ الكبير ٨ : ٢١٨ ، في ترجمة : معان بن رفاعة السلامي ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٥٩ ؛ كنز العمّال ١١ : ٤٨٢ / ٣٢٢٧٧ ، باختصار.