ولا يهاب أحدا في مسيرة الدعوة العصماء.
المتّقون هم أهل الفضائل
قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) وهم الفريق الأوّل من الفرق الثلاث تجاه دعوة الحقّ وهم النموذج الأوفى من النماذج البشريّة ذو تأصّل عريق ، هم على سلامة الطبع ورصانة العقل وأصحاب الفكر الرشيد. وقد كان الحقّ منشودهم في مناحي الحياة ، فمتى وجدوه احتضنوه بكلّ شعور ووعي صادق فكان هذا الاختصاص ـ بالهدى ـ لأجل أنّهم هم الآهلون للاستضاءة بنوره والانضواء تحت لوائه. وليست التقوى سوى التعهّد النفسي العميق ، يشعر به كلّ انسان حرّ في تعقّله وفي تفكّره وفي سلوكه ، فالتقوى في القلب هي الّتي تؤهّله للانتفاع بهذا الكتاب ، وهي الّتي تفتح مغاليق القلب له فيدخل ويؤدّي وره هناك ، وهي الّتي تهيّء لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقّى وأن يستجيب. فلا بدّ لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن ، أن يجيء إليه بقلب سليم ، بقلب خالص ، ثمّ يجيء إليه بقلب يخشى ويتّقي. ويحذر أن يكون على ضلالة ، أو أن تستهويه ضلالة. وعندئذ يتفتّح القرآن عن أسراره وأنواره ، ويسكبها في هذا القلب الّذي جاء إليه متّقيا ، خائفا ، حسّاسا ، مهيّأ للتلقّي. ممّن (يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ)(١)
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)(٢).
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(٣).
(كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٤).
(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ. وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِ)(٥).
إلى غيرها من آيات تنبؤك عن آهليّة هذا النمط من الناس ، مرنوا على قبول الحقّ والتسليم له إطلاقا لا يلويهم شيء عن الانصياع للحقيقة مهما كلّف الأمر.
__________________
(١) الرعد ١٣ : ٢١.
(٢) الأنبياء ٢١ : ٤٩.
(٣) سورة ق ٥٠ : ٣٧.
(٤) فصلت ٤١ : ٣.
(٥) المائدة ٥ : ٨٣ ـ ٨٤.