٢ ـ الإخلاص في العبادة
السمة الثانية : العبادة لله خالصة (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ). فيتوجهون بالعبادة لله وحده ، ويترفّعون عن عبادة العباد وعبادة الأشياء : يتّجهون إلى القوّة المطلقة بغير حدود ويحنون جباههم لله وحده. والقلب الّذي يسجد لله حقّا ويتّصل به على مدار الليل والنهار ، يستشعر أنّه موصول السبب بواجب الوجود ، ويجد لحياته غاية أعلى من أن تستغرق في الأرض وحاجات الأرض ، ويحسّ أنّه أقوى من المخاليق ، لأنّه موصول بخالق المخاليق.
قال سيد قطب : وهذا كلّه مصدر قوّة للضمير ، كما أنّه مصدر تحرّج وتقوى ، وعامل خطير من عوامل تربية الشخصيّة ، وجعلها ربّانيّة التصوّر ، ربّانيّة الشعور ، ربّانيّة السلوك (١).
٣ ـ الإنفاق في سبيل الله
السمة الثالثة : البذل بالمال وبما آتاه الله ، في سبيل الله وفي سبيل الخدمة الإنسانيّة النبيلة. حيث المؤمنون حقّا المتقون ، يعترفون ابتداء بأنّ المال الّذي في أيديهم هو من رزق الله ومنحته الكريمة ، وليس من عندهم ، ومن هذا الشعور ينبثق حبّ البرّ والإيثار ، وحبّ التضامن مع ضعاف الناس ، شعورا بالآصرة الإنسانيّة ، وبالأخوّة البشريّة. وقيمة هذا كلّه تتجلّى في تطهير النفس من الشحّ ، وتزكيتها بالبرّ. وقيمتها أنّها تردّ الحياة مجال تعاون لا معترك تطاحن ، وأنّها تؤمّن العاجز والضعيف والقاصر ، وتشعرهم أنّهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس إنسانية كريمة ، لا بين أظفار ومخالب وأنياب.
وقد وصف الله المتقين ـ في سورة الذاريات (٥١ : ١٩) بقوله : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ). يعني أنّ المؤمن المتّقي (المتعهد بأصول الإنسانية) يرى للضعفاء حقّا في أمواله ، فيسهل عليه الإيثار والإنفاق. لأنّ فيه خروجا عن حقّ مفروض عليه.
وجاء في سورة المعارج (٧٠ : ٢٠) في وصف المصلّين : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ. وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ).
وفي سورة الأنفال (٨ : ٢ ـ ٤) : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ
__________________
(١) في ضلال القرآن ١ : ٤٣.