قال تعالى :
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦))
في هذا المقطع من الآيات يواجه السياق بني إسرائيل ، أولئك الّذين واجهوا الدعوة في المدينة مواجهة نكرة ؛ وقاوموها مقاومة عنيفة : خفيّة وظاهرة ؛ وكادوا لها كيدا متواصلا ، لم يفتر لحظة منذ أن ظهر الإسلام بالمدينة وتبيّن لهم أنّه في طريقه إلى الهيمنة على مقاليدها ، وعزلهم من القيادة الأدبيّة والاقتصاديّة الّتي كانت لهم لحدّ ذاك الحين .. وذلك مذ وحدّ الأوس والخزرج وسدّ الثغرات الّتي كانت تنفذ منها اليهود. وشرع لهم منهجا قويما وغنيّا عن الاستجداء من الأجانب ذوي الأطماع. منهجا مستقلا يقوم على أساس كتاب جديد وشريعة جديدة على يد نبيّ من ولد إسماعيل وليس من ولد إسحاق!
الأمر الّذي أثار ضغائنهم وزاد حقدهم على هذه الأمّة منذ بزوغها ، فكانت معركة دامية شنّها اليهود على الإسلام والمسلمين منذ ذلك التاريخ البعيد ، ثمّ لم يخب أوارها حتّى اللحظة الحاضرة ، بنفس الوسائل ونفس الأساليب ، لا يتغيّر إلّا شكلها ، أمّا حقيقتها فباقية ، وأمّا طبيعتها فواحدة.
هذا على الرغم من أنّ العالم كلّه منذ زمن سحيق كان يطاردهم من جهة إلى جهة ومن قرن إلى قرن ـ ولا يزال ـ فلا يجدون لهم صدرا حنونا إلّا في العالم الإسلامي المفتوح ، الّذي يكافح الاضطهادات سواء الدينيّة أو العنصريّة ، ويفتح أبوابه لكلّ مسالم لا يؤذي الإسلام ولا يكيد للمسلمين.
قال سيّد قطب : ولقد كان المنتظر أن يكون اليهود في المدينة هم أوّل من يؤمن بالرسالة