(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ولتكن استعانتكم للمغالبة على هو النفس ، بترويضها على المقاومة تجاه المغريات.
وهكذا الصلاة ، قربان كلّ تقيّ وابتهال إلى الله ليأخذ بمجامع قلبه ويهديه إلى الصراط السويّ في الحياة ، إن ماديّة أو معنويّة. وليخرجه من الظلمات إلى النور ، عند متشابكات الأمور.
(وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) : ثقيلة (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) : خشعت نفوسكم لذكر الله. ومن ثمّ خفّت عليهم وارتاحت لها نفوسهم وابتهجت بها.
(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ).
الظنّ هنا : اليقين القاطع.
قال ابن سيده أبو الحسن عليّ بن إسماعيل المرسي (ت ٤٥٨) : الظنّ : شكّ ، ويقين ، إلّا أنّه ليس بيقين عيان ، إنّما هو يقين تدبّر. فأمّا يقين العيان فلا يقال فيه إلّا العلم (١).
فاليقين إن حصل عن تدبّر وتعقّل ، كان ظنّا قاطعا. وإن حصل عن مشاهدة وعيان ، كان علما ، حسب متعارف اللغة. وبذلك جاء استعمال القرآن النازل بلسان العرب العرباء.
فالذين يخشعون لله ولا يخشعون لأحد سواه ، هم أهل اليقين وهم على يقين من أمرهم وأنّهم سائرون في رقابة من الله ، وأنّهم إليه راجعون ، فيحاسبهم على أعمالهم حتّى ولو كانت على مقدار مثقال ذرّة : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)(٢). (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ)(٣).
السرّ في تكرار قصص بني إسرائيل
قد يتساءل البعض ما هذا التكرّر في سرد قصص بني إسرائيل؟
نعم كانت قصّة بني إسرائيل قصّة نضال مستمرّ بين دعاة الحقّ ودعاة الفساد في الأرض. فهناك الأنبياء ـ وهم دعاة الإيمان والاستسلام للحقّ ـ في صفّ رصين ، وفي مقابلتهم اصطفاف أهل الزيغ والباطل ، في معركة دامية ومستمرّة ، مادامت الأهواء لا تخضع للحقّ ولا تنصاع لمعالم
__________________
(١) المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده ١٠ : ٨. وراجع : لسان العرب لابن منظور ١٣ : ٢٧٢.
(٢) سبأ ٣٤ : ٣.
(٣) يونس ١٠ : ٦١.