فإنّ هذا ممّن كتبت له السعادة وهم في بطون أمّهاتهم ، وسيمتّع الله به بنيه ما شاء الله .. قال : فعاش بعد ذلك شهرا ثمّ مات (١).
قلت : ولعلّها السعادة العاجلة الدنيّة الّتي عاشها أمثاله ؛ إذ لا سعادة عليا باقية لمن مات عن كره لآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢)! كيف وقد وصفه عمر بن الخطّاب ـ وهو أعرف الناس به ـ بفرعون هذه الأمّة ، حينما اعتذر إليه عن عدم استخلافه ، قائلا : «وأمّا أنت يا عبد الرحمان فما يمنعني منك إلّا أنّك فرعون هذه الأمة» (٣).
قال المحقّق التستري : بل وقارونها ، حيث تضخّم ثروته الطائلة! قال ابن قتيبة : قسّم ميراثه على ستّة عشر سهما فبلغ نصيب كلّ امرأة له ثمانين ألف درهم (٤).
مات سنة ٣٢ عن شحناء بينه وبين آل عثمان من جهة ، وبينه وبين آل عليّ من جهة. إذ قد استجيبت عليه دعوة العبد الصالح الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام حينما أدار الخلافة لصهره ، قال له عليّ : «دقّ الله بينكما ، عطر منشم! (٥)» (٦). قال أبو الهلال العسكري في كتابه «الأوائل» : استجيبت دعوة عليّ عليهالسلام فيهما ، فماتا متهاجرين متعاديين (٧).
قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)
[٢ / ١٦٥٤] أخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) قال : قال المشركون : والله يا محمّد إنّك لتدعونا إلى أمر كبير! قال : إلى الصلاة والإيمان بالله! (٨).
__________________
(١) المصنّف لعبد الرزّاق ١١ : ١١٢ / ٢٠٠٦٥ ، باب ١٣٤ (القدر) ؛ شعب الإيمان ٧ : ١١٥ / ٩٦٨٤ ؛ الدرّ ١ : ١٦٣ ـ ١٦٤.
(٢) روى الثعلبي بإسناد اعتمده عن جرير بن عبد الله البجلّي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة» (الثعلبي ٨ : ٣١٤). ورواه صاحب الكشّاف (٤ : ٢٢٠ ـ ٢٢١) ؛ وفي ينابيع المودّة (٣ : ١٤٠) ؛ وراجع : البحار (٢٧ : ١١٢ / ٨٤).
(٣) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ٢٩.
(٤) المعارف لابن قتيبة : ١٠٤. وراجع : قاموس الرجال للتستري ٦ : ١٣٤ / ٤٠٥٧.
(٥) شرح النهج لابن أبي الحديد ٩ : ٥٥.
(٦) منشم : امرأة عطّارة من خزاعة ؛ فتحالف قوم فأدخلوا أيديهم في عطرها على أن يقاتلوا حتّى يموتوا ؛ فضرب مثلا لكلّ من تحالف مع غيره واشتدّ التحالف بينهما.
(٧) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ : ١٩٦.
(٨) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الطبري ١ : ٣٧٢ / ٧١٥.