وأصحابهم (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ) في ملكه وسلطانه (ذُو انْتِقامٍ)(١) من أهل معصيته.
وأنزلت أيضا في اليهود في هؤلاء النفر وما يحسبون من المتشابه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ)(٢).
فأمّا المحكمات فالآيات الثلاث اللّاتي في الأنعام : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ...) إلى قوله سبحانه : (... لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(٣) فهنّ محكمات ولم ينسخهنّ شيء من الكتاب ، وإنّما سمّين أمّ الكتاب لأنّ تحريم هؤلاء الآيات في كلّ كتاب أنزله الله ـ عزوجل ـ.
(وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) يعني الم ، المص ، الر ، المر ، شبّهت على هؤلاء النفر من اليهود ، كم تملك هذه الأمّة من السنين (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) يعني ميل عن الهدى وهم هؤلاء اليهود (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) يعني الكفر (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) : يعني منتهى كم يملكون.
يقول الله ـ عزوجل ـ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) : يعني كم تملك هذه الأمّة من السنين (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) يعني عبد الله بن سلام وأصحابه ، (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) : يعني بالقرآن كلّه. (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٤) : يعني من كان له لبّ أو عقل.
ثمّ قال ابن سلام وأصحابه : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) كما أزغت قلوب اليهود (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) إلى الإسلام (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).
فآيتان من أوّل هذه السورة نزلتا في أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم المهاجرين والأنصار. والآيتان اللّتان تليانهما نزلتا في مشركي العرب. وثلاث عشرة آية في المنافقين من أهل التوراة (٥).
قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ)
[٢ / ١٠٤] أخرج ابن جرير والحاكم وصحّحه عن ابن مسعود (الم) حرف اسم الله ، و (الْكِتابُ) القرآن ، (لا رَيْبَ) لا شكّ فيه (٦).
__________________
(١) آل عمران ٣ : ٤.
(٢) آل عمران ٣ : ٧.
(٣) الأنعام ٦ : ١٥١.
(٤) آل عمران ٣ : ٧.
(٥) تفسير مقاتل ١ : ٨٤ ـ ٨٨.
(٦) الدرّ ١ : ٦٠ ؛ الطبري ١ : ١٤٤ / ٢٠٨ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٠.