ولا يتقدّم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا ، تفاضل بذلك أوائل هذه الامّة وأواخرها ، ولو لم يكن للسابق إلى الإيمان فضل على المسبوق ، للحق آخر هذه الامّة بأوّلها ، نعم ولتقدّموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الإيمان الفضل على من أبطأ عنه ، ولكن بدرجات الإيمان قدّم الله السابقين ، وبالإبطاء عن الإيمان أخّر الله المقصّرين ، لأنّا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الأوّلين وأكثرهم صلاة وصوما وحجّا وزكاة وجهادا وإنفاقا ، ولو لم يكن سوابق يفضّل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله ، لكان الآخرون بكثرة العمل مقدّمين على الأوّلين ، ولكن أبى الله أن يدرك آخر درجات الإيمان أوّلها ، ويقدّم فيها من أخّر الله أو يؤخّر فيها من قدّم الله. قلت : أخبرني عمّا ندب الله المؤمنين إليه من الاستباق إلى الإيمان ، فقال : قول الله ـ عزوجل ـ : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ)(١) وقال : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(٢) وقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(٣) فبدأ بالمهاجرين الأوّلين على درجة سبقهم ، ثمّ ثنّى بالأنصار ثمّ ثلّث بالتابعين لهم بإحسان ، فوضع كلّ قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده ، ثمّ ذكر ما فضّل الله به أولياءه بعضهم على بعض ، فقال ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) إلى آخر الآية (٤) وقال : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ)(٥) وقال : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)(٦) وقال : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ)(٧) وقال : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)(٨) وقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ)(٩) وقال : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً. دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً)(١٠) وقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ
__________________
(١) الحديد ٥٧ : ٢١.
(٢) الواقعة ٥٦ : ١٠ و ١١.
(٣) التوبة ٩ : ١٠٠.
(٤) البقرة ٢ : ٢٥٣.
(٥) الإسراء ١٧ : ٥٥.
(٦) الإسراء ١٧ : ٢١.
(٧) آل عمران ٣ : ١٦٣.
(٨) هود ١١ : ٣.
(٩) التوبة ٩ : ٢٠.
(١٠) النساء ٤ : ٩٦.