تحقيق لطيف
ولأهل التحقيق هنا بيان لطيف :
قال الإمام أبو عبد الرحمان السّلميّ : أوّل قدم في العبوديّة التوبة وهو : إتلاف النفس وقتلها بترك الشهوات وقطعها عن المراد .. وقال الواسطي : كانت توبة بني إسرائيل إفناء أنفسهم ، ولهذه الأمّة أشدّ ، وهو إفناء أنفسهم مع مراداتها ، وإبقاء رسوم الهياكل. وقال فارس : التوبة محو البشريّة وثبات الإلهيّة (١).
وقال الإمام القشيري : وقتل النفس في الحقيقة التبرّي عن حولها وقوّتها أو شهود شيء منها ، وردّ دعواها إليها ، وتشويش تدبيرها عليها ، وتسليم الأمور إلى الحقّ ـ سبحانه ـ بجملتها ، وانسلاخها من اختيارها وإرادتها ، وانمحاء آثار البشريّة عنها. فأمّا بقاء الرسوم والهياكل فلا خطر له ولا عبرة به (٢).
قال القرطبي : قال أرباب الخواطر : ذلّلوها بالطاعات وكفّوها عن الشهوات (٣).
وذكر أبو حيّان الأندلسي : أنّ بعضهم قال : معنى قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) : ذلّلوا أهواءكم.
قال أبو حيّان : وجاء التقتيل بمعنى التذليل ، ومنه قول امرء القيس :
وما ذرفت عيناك إلّا لتضربي |
|
بسهميك في أعشار قلب مقتّل |
قال : فسّروه بالمذلّل (٤).
قال الزوزني : المقتّل : المذلّل غاية التذليل. والقتل في الكلام التذليل ، ومنه قولهم : «قتلت الشراب» إذا قلّلت غرب سورته بالمزاج. ومنه قول الأخطل :
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها |
|
وحبّ بها مقتولة حين تقتل |
وقال حسّان :
إنّ الّتي ناولتني فرددتها |
|
قتلت قتلت ، فهاتها لم تقتل (٥) |
__________________
(١) تفسير السلمي ١ : ٥٩ ـ ٦٠.
(٢) تفسير القشيري ١ : ٩٢ تحقيق إبراهيم بسيوني (ط ٣).
(٣) القرطبي ١ : ٤٠١.
(٤) البحر المحيط ١ : ٢٠٤ و ٢٠٧.
(٥) شرح المعلّقات للزوزني : ١٦. غرب الشيء : حدّته.