(وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) وذلك أنّهم لمّا هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرّع ويقول : يا ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ولو شئت أهلكتهم من قبل ، ويا ربّي (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) فلم يزل يناشد ربّه حتّى أحياهم الله تعالى جميعا رجلا بعد رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون ، فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) أحييناكم (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) لتستوفوا بقيّة آجالكم وأرزاقكم ، وأصل البعث : إثارة الشيء من مكمنه يقال : بعثت البعير وبعثت النائم فانبعث (١).
***
[٢ / ١٩٧١] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ أنعم الله عليهم فبعثهم وذلك أنّهم لمّا صعقوا قام موسى يبكي وظنّ أنّهم إنّما صعقوا بخطيئة أصحاب العجل فقال : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) وقال : يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت أحبارهم! فبعثهم الله ـ عزوجل ـ لما وجد موسى من أمرهم (٢). فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يقول لكي تشكروا ربّكم في هذه النعمة ، فبعثوا يوم ماتوا (٣).
ثمّ يذكر حديث رجوع موسى مع السبعين إلى قومه ليجدهم قد اتّخذوا العجل وعتوا عن أمر ربّهم. وقد تقدّم ذلك ، الأمر الذي يناقض ما أورده الطبري وابن أبي حاتم والثعلبي هنا من كون الخروج بالسبعين كان بعد وقعة العجل. ولعلّنا نعالج هذا الجانب في فصل قادم.
هل يصحّ التكليف بعد الرجعة؟
قد يستشكل التكليف بشأن من بعثه الله بعد موته ، وعاين ما يلجؤه إلى معرفته تعالى ، إذ لا تكليف بعد كمال المعرفة!
قال الشيخ : وهل يجوز أن يردّ الله أحدا إلى التكليف بعد أن مات وعاين ما يضطرّه إلى معرفته بالله؟
__________________
(١) الثعلبي ١ : ١١٩ ـ ٢٠٠.
(٢) أي حزن.
(٣) تفسير مقاتل ١ : ١٠٥.