وقفة عند مسألة الرؤية
لعلّنا في مجال آخر نبحث عن مسألة الرؤية بتفصيل ، غير أنّا رأينا من المناسب أن نقف عند مسألة الرؤية هنا وقفة قصيرة ، حيث فصّلنا الكلام عنها في كتابنا التمهيد (١) ، وإليك طرفا منه :
ذهب الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابيه : اللمع والإبانة ، إلى جواز رؤية الله ـ سبحانه ـ في الآخرة رؤية بالأبصار.
واستند في ذلك إلى قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٢). قال : يعني رائية. إذ ليس يخلو النظر من وجوه ثلاثة ، إمّا نظر الاعتبار كما في قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)(٣). أو نظر الانتظار كما في قوله تعالى : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً)(٤). أو نظر الرؤية.
أمّا الأوّل فلا يجوز ، لأنّ الآخرة ليست بدار اعتبار.
وكذا الثاني ، لأنّ النظر إذا ذكر مع الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه. ولأنّ نظر الانتظار لا يقرن «إلى».
وتشبّث أيضا بحديث موسى وسؤال الرؤية. إذ لا يجوز أن يكون موسى عليهالسلام سأل ربّه المستحيل (٥).
وسبقه إلى ذلك أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي في رسالة ردّ بها على الجهميّة ، حشاها بأخبار زعمها صريحة في الدلالة على إثبات رؤية الله في الآخرة.
منها :
[٢ / ١٩٧٥] ما رواه عن شيخ بغدادي لا يعرفه بالإسناد إلى أنس بن مالك قال : يتجلّى ربّنا لأهل الجنّة في كلّ جمعة ، تفسيرا لقوله تعالى : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ)(٦).
[٢ / ١٩٧٦] وبإسناد آخر فيه ضعف وجهالة عن جابر بن عبد الله الأنصاري يحكي ـ فيما زعم ـ حالة المسلمين يوم القيامة ، قال : «ونحن على كوم إذ يأتينا ربّنا فيقول : ماذا تنتظرون؟ فنقول : ننتظر ربّنا! فيقول : ها أنا ربّكم! فنقول : حتّى ننظر إليك! فيتجلّى لنا وهو يضحك ، فنتبعه إلى الجنّة.
__________________
(١) الجزء الثالث : ٧٧ ـ ٩٧.
(٢) القيامة ٧٥ : ٢٣.
(٣) الغاشية ٨٨ : ١٧.
(٤) يس ٣٦ : ٤٩.
(٥) راجع كتابيه الإبانة : ٢٥ واللمع : ٦١.
(٦) سورة ق ٥٠ : ٣٥.