من موسى عجّلها فقال الله تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ)(١). فلمّا ضرب عليهم التيه ندم موسى! وأتاه قومه الّذين كانوا معه يطيعونه ، فقالوا له : ما صنعت بنا يا موسى؟ فلمّا ندم أوحى الله إليه أن لا تأس على القوم الفاسقين ؛ أي لا تحزن على القوم الّذين سمّيتهم فاسقين. فلم يحزن. فقالوا : يا موسى كيف لنا بماء هاهنا ، أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المنّ ، فكان يسقط على شجر الترنجبين ، والسلوى : وهو طير يشبه السمانى ، فكان يأتي أحدهم ، فينظر إلى الطير إن كان سمينا ذبحه ، وإلّا أرسله ، فإذا سمن أتاه. فقالوا : هذا الطعام ، فأين الشراب؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، فشرب كلّ سبط من عين ، فقالوا : هذا الطعام والشراب ، فأين الظلّ؟ فظلّل عليهم الغمام ، فقالوا : هذا الظلّ فأين اللّباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ، ولا يتخرّق لهم ثوب ، فذلك قوله : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) وقوله : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ)(٢).
[٢ / ٢٠٢٥] عن ابن إسحاق ، قال : لمّا تاب الله ـ عزوجل ـ على بني إسرائيل ، وأمر موسى أن يرفع عنهم السيف من عبادة العجل ، أمر موسى أن يسير بهم إلى الأرض المقدّسة ، وقال : إنّني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا ، فاخرج إليها وجاهد من فيها من العدوّ فإنّي ناصركم عليهم. فسار بهم موسى إلى الأرض المقدّسة بأمر الله ـ عزوجل ـ حتّى إذا نزل التيه بين مصر والشام وهي أرض ليس فيها خمر (٣) ولا ظلّ ، دعا موسى ربّه حين آذاهم الحرّ ، فظلّل عليهم بالغمام ، ودعا لهم بالرزق ، فأنزل الله لهم المنّ والسلوى.
[٢ / ٢٠٢٦] وأخرج عن الربيع بن أنس قوله : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) قال : ظلّل عليهم الغمام في التيه : تاهوا في خمسة فراسخ أو ستّة ، كلّما أصبحوا ساروا غادين ، فأمسوا فإذا هم في مكانهم الّذي ارتحلوا منه ، فكانوا كذلك حتّى مرّت أربعون سنة. قال : وهم في ذلك ينزل عليهم المنّ والسلوى ولا تبلى ثيابهم ، ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ،
__________________
(١) المائدة ٥ : ٢٦.
(٢) البقرة ٢ : ٦٠.
(٣) الخمر : كلّ ما سترك ما شجر أو بناء أو غيره.